قلت: لعائشة إن أمي توفيت وعليها صيام رمضان أيصلح أن أقضي عنها؟ فقالت. لا. ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك، كذا ذكره ابن التركماني (ج٤:ص٢٥٧) وقال هذا سند صحيح، وذكره ابن حزم في المحلي (ج٧:ص٤٠٣) من رواية ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن امرأة منهم اسمها عمرة إن أمها ماتت، وعليها من رمضان فقالت: لعائشة أقضيه عنها؟ قالت لا، بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين. وفيه إن هذا الاستدلال أيضاً مخدوش، أما أولاً فلأنه جاء عن ابن عباس خلاف ذلك، فروى ابن أبي شيبة بسند صحيح كما في المحلي (ج٧:ص٧) سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه رمضان وصوم شهر، فقال يطعم عنه لرمضان ويصام عنه النذر. وفي صحيح البخاري تعليقاً أمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء، فقال صلى عنها. وقال ابن عباس نحو، قال ابن عبد البر: النقل في هذا عن ابن عباس مضطرب. قال الحافظ: ويمكن الجمع يحمل الإثبات في حق من مات والنفي في حق الحي-انتهى. وقال العيني: النقل عنه في هذا مضطرب فلا يقوم به حجة لأحد. وأما أثر عائشة الذي نقله ابن التركماني عن الطحاوي، ففيه إن بعض ألفاظه مخالف لما في مشكل الآثار المطبوع ففيه (ج٣:ص١٤٢) عن عبد العزيز ابن رفيع عن عمرة قالت: توفيت أمي وعليها صيام من رمضان فسألت عائشة عن ذلك فقالت أقضيه عنها، ثم قالت: بل تصدقي مكان كل يوم على مسكين نصف صاع، وهذا كما ترى ليس فيه ما يمنع الصيام. وأما أثرها الذي ذكره ابن حزم فسيأتي الجواب عنه، وأما ثانياً فلأن فتيا الصحابي لا تقاوم الحديث المرفوع الصحيح السنة، الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالإتباع وفيها غنية عن كل قول. واستدلوا أيضاً بالقياس على الصلاة ونظائرها من أعمال البدن التي لا مدخل للمال فيها. قال العيني: قد اجمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصوم لأن كلاً منهما عبادة بدنية، وحكى ابن القصار عن المهلب أنه قال لو جاز أن يصوم أحد عن أحد في الصوم، لجاز أن يصلي الناس عن الناس فلو كان ذلك سائغاً لجاز أن يؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمه أبي طالب لحرصه على إيمانه، وقد اجمعت الأمة على أنه لا يؤمن أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد فوجب أن يرد ما اختلف فيه إلى ما اجمع عليه. وفيه أولاً أن هذا قياس في مقابلة النص، وثانياً إن دعوى الإجماع على القول بأن لا يصلي أحد عن أحد باطلة لما تقدم عن ابن عمر، أنه أمر بالصلاة عن الميت، ولأن الظاهرية قالوا يجب قضاء صلاة النذر وصلاة الفرض عن الميت، وثالثاً: أنهم اجمعوا على أن تصلي الركعتان أثر الطواف عن الميت الذي يحج عنه. ورابعاً: إن في كلام المهلب غضاضة وترك محاسن الأدب في حق الشارع ومصادمة الأخبار الثابتة فيه قاله العيني (ج١١:ص٦٠) وأجاب بعض الحنفية عن حديث الباب بأن في سنده عبيد الله بن أبي جعفر،