ومنهم من يقول معنى قوله في حديث بريدة أفأصوم عنها أفأفدي عنها على تسمية الفداء صوماً لكونه بدلاً عن الصوم وكل ذلك غير تام-انتهى. وقال صاحب فتح الملهم: قوله صلى الله عليه وسلم فصومي عن أمك في حديث ابن عباس وقوله صلى الله عليه وسلم صومي عنها في حديث بريدة، قد صدر في معرض الجواب عن قولها أفأصوم عنها فكأنه صلى الله عليه وسلم قررها على ما سألته، والظاهر أنهما ما أرادت بسؤالها إلا الصوم الحقيقي لا الإطعام، وحمل كلامها على الإطعام لا يخلو عن تعسف فالوجدان السليم يحكم بأن التأويل المذكور في حديث عائشة لا يجري في حديثي ابن عباس وبريدة إلا بتكلف بارد والله تعالى أعلم-انتهى. وقال الشيخ محمد أنور: لا حاجة إلى تأويل أحاديث الباب وصرف لفظ الصوم فيها عن ظاهره بل المراد بقوله صام عنه وليه، وقول "صومي عنها" هو الصوم الحقيقي لكن لا بطريق النيابة بل بطريق التبرع لإيصال الثواب وقد أجاب صلى الله عليه وسلم عن قولها أفأصوم عنها بقوله صومي عنها لما رأى من حرصها على إيصال الخير والثواب لأمها ولا شك في أنه ينفع لها في الجملة فأما أنه يقع قضاء عما عليها ويبرأ ذمتها عن الواجب فليس في الحديث دلالة على هذا-انتهى. قلت هذا التوجيه أيضاً سخيف جداً يدل على سخافته تمام حديث ابن عباس. قال صاحب فتح الملهم بعد ذكر التوجيه المذكور: هذا توجيه لطيف لولا ما ورد في حديث ابن عباس من التشبيه بقضاء الدين، ولا سيما قوله في رواية زيد بن أبي أنيسة عن الحكم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عند مسلم) قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته، أكان ذلك يؤدي عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك وهذا كالصريح في أن صومها عن أمها يؤدي ما على أمها من دين الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب. وأجاب المالكية عن حديث عائشة بأن عمل أهل المدينة بخلافه. وهذا مبني على أن تركهم العمل بالحديث حجة ودليل على نسخه وليس كذلك كما عرف في الأصول. واستدل القائلون بجواز الصيام عن الميت في النذر دون غيره، بأن حديث عائشة مطلق وحديث ابن عباس مقيد بالنذر كما تقدم، فيحمل عليه ويكون المراد بالصيام صيام النذر. وفيه أنه ليس بين الحديثين تعارض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له. وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره فدين الله أحق أن يقضى قاله الحافظ: قال الشوكاني: وإنما قال إن حديث ابن عباس صورة مستقلة يعني أنه من التنصيص على بعض أفراد العام فلا يصلح لتخصيصه ولا لتقييده كما تقرر في الأصول. واختلف في المراد بقوله "وليه" فقيل كل قريب سواء كان وارثاً أو عصبة أو غيرهما. وقيل: الوارث خاصة. وقيل: عصبة قال الحافظ: والأول أرجح والثاني قريب ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أمها. وقال الكرماني والنووي: الصحيح الأول واختلفوا أيضاً هل يختص ذلك بالولي لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك في الموت إلا ما ورد فيه الدليل، فيقتصر على ما ورد فيه ويبقى الباقي على الأصل.