خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) .رواه مسلم.
٢٠٣- (٦) وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه
ــ
لما فيها من الاستعدات المتفاوتة، فمنها قابلة لفيض الله تعالى على مراتب المعادن، ومنها غير قابلة له. أو شبههم بالمعادن؛ لأنهم أوعية للشرف والعلوم والحكم، كما أن المعادن أوعية للجواهر النفيسة والفلزات المنتفع به. (خيارهم) جمع خير أو أريد به أفضل التفضيل، تقول في الواحد خير وأخير (في الجاهلية خيارهم في الإسلام) جملة مبنية، أي من كان من خيار القبائل في الجاهلية وكان يستعد لقبول المآثر وجميل الصفات والتفوق في الأقران لكنه كان في ظلمة الكفر والجهل مغموراً مستوراً، كما يكون الذهب والفضة في المعدن ممزوجاً مخلوطاً في التراب، كان في الإسلام كذلك، وفاق بتلك الاستعدادات والمآثر والصفات على أقرانه في الدين، وتنور بنور العلم والإيمان، وخلص في سبكة المجاهدة في العبادة كما يسبك الذهب والفضة. (إذا فقهوا) بكسر القاف أي فهموا، وبالضم أي صاروا فقهاء علماء بعلم الشريعة. والرواية بالضم وهو المناسب هنا. وهذا القيد يفيد أن الإسلام يرفع اعتبار التفاوت المعتبر في الجاهلية، فإن التفاوت في الإسلام بحسب الأحساب أي مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وفي الجاهلية بحسب الأنساب. ولا يعتبر هذا الثاني إلا بالأول، فإذا تحلى الرجل بالعلم والحكمة استجلب شرف النسب الأصلي، فيجتمع شرف النسب والحسب، ففيه دليل على أن الوضيع العالم أرفع من الشريف الجاهل، فالعلم والحكمة والحكمة يرفع كل من لم يرفع. (رواه مسلم) في الفضائل، لكن ليس فيه" كمعادن الذهب والفضة" والظاهر من كلام المصنف أن حديث أبي هريرة هذا من إفراد مسلم، وليس كذلك فإنه متفق عليه، أخرجه البخاري في ترجمة يوسف من كتاب الأنبياء، وليس فيه أيضاً "كمعادن الذهب والفضة"، نعم أخرجه أحمد بهذا اللفظ وزاد:((والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ايتلف، وما تناكر منها اختلف)) .
٢٠٣- قوله:(لا حسد) هو تمنى زوال نعمة الغير سواء حصل له أم لا. والمراد به الغبطة وهي: تمني الرجل حصول مثلها له من غير أن يتمنى زوالها عن الغير، وأطلق الحسد عليه مجازاً، والدليل على ذلك ما زاد أبوهريرة في هذا الحديث عند البخاري "فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتى فلان فعملت مثل ما يعمل" فكأنه قال في حديث ابن مسعود هذا: لا غبطة أعظم أو أفضل أو محمودة إلا في هذين الأمرين. وقال التوربشتى: الظاهر أن المراد بالحسد صدق الرغبة وشدة الحرص، ولما كان هذان السببان هما الداعيين إلى الحسد كنى عنهما بالحسد- انتهى. والمقصود أنه لا تنبغي الغبطة في الأمور الخسيسة، وإنما تنبغي في الأمور الجليلة الدقيقة كالجود والعلم مع العمل. (إلا في اثنين) أي في شأن اثنين، وفي بعض النسخ "اثنتين" بالتأنيث، أي خصلتين اثنتين. (رجل) روى مجرورا على البدل من"اثنين" وهو أوثق الروايات، وعلى نسخة "اثنتين" بالتأنيث، يقدر "خصلة رجل" وروي أيضاً "رجل" مرفوعاً على أنه مبتدأ. (آتاه الله) بالمد أي أعطاه (مالاً) أي مالاً كثيراً. (فسلطه) عبر بالتسليط لدلالته على الغلبة وقهر النفس المجبولة على الشح البالع.