للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: ولعل العدول عن قوله نهى عن صوم العيدين إلى ذكر الفطر والنحر للأشعار بأن علة الحرمة هي الوصف بكونه يوم فطر ويوم نحر والصيام ينافيهما-انتهى. قلت: روى مسلم من حديث عمر أنه صلى العيد ثم انصرف فخطب الناس فقال إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم والآخر يوم تأكلون فيه نسككم، وفائدة وصنف اليومين على ما قيل: الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهو الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده والآخر لأجل النسك المتقرب يذبحه ليؤكل منه ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك، لأنه يستلزم النحر ويزيد فائدة التنبيه على التعليل. والمراد بالنسك هنا الذبيحة المتقرب بها قطعاً. والحديث دليل على تحريم صوم هذين اليومين، لأن أصل النهي التحريم، وإليه ذهب العلماء كافة. قال ابن قدامة (ج٣ص١٦٣) أجمعه أهل العلم على أن صومي العيدين منهي عنه محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة، ذلك لما روى أبوعبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فجاء فصلى ثم انصرف فخطب الناس. فقال: إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم، وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين يوم فطر ويوم أضحى، وعن أبي سعيد مثله متفق عليهما، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه-انتهى. وكذا حكى الإجماع على هذا النووي والحافظ والزرقاني والعيني وابن رشد وغيرهم. وههنا مسئلتان اختلف الأئمة فيهما إحداهما أن ينذر صوم الفطر والنحر متعمداً لعينهما. فقال مالك والشافعي: لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاءهما، وإليه ذهب أحمد في الصحيح عنه. قال ابن قدامة. إن قال لله عليَّ صوم يوم العيد فهذا نذر معصية على ناذره الكفارة لا غير، نقلها حنبل عن أحمد وفيه رواية أخرى إن عليه القضاء مع الكفارة، والأولى هي الصحيحة قاله القاضي. لأن هذا نذر معصية فلم يوجب قضاءها كسائر المعاصي وفارق المسألة التي قبلها (وهي المسألة الثانية التي سنذكرها) لأنه لم يقصد بنذره المعصية. وإنما وقع اتفاقا وههنا تعمدها بالنذر فلم ينعقد نذره، ويدخل في قوله عليه الصلاة والسلام لا نذر في معصية، ويتخرج إلا يلزمه شيء بناء على نذر المعصية-انتهى. والمسألة الثانية أن ينذر صوم يوم فيوافق العيد. قال النووي: أما الذي نذر صوم يوم الاثنين مثلا فوافق يوم العيد فلا يجوز له صيام يوم العيد بالإجماع، وهل يلزمه قضاءه فيه خلاف للعلماء؟ وفيه للشافعي قولان: أصحهما لا يحب قضاءه، لأن لفظه لم يتناول القضاء. وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصولين-انتهى. واختلفت الرواية فيه أيضاً عن مالك. قال العيني قال مالك: لو نذر صوم يوم فوافق يوم فطر أو يوم نحر يقضيه في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه وهو قول الأوزاعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>