وقال الحافظ: وعن مالك في رواية يقضي إن نوى القضاء وإلا فلا. وقال الأبي في الإكمال: اختلف قول مالك وأصحابه إذا لم يقصد تعيينهما، وإنما نذر نذراً اشتمل عليهما أو نذر يوم يقدم فلان فقدم يوم عيد هل يقضي أو لا يقضي، أو يقضي إلا أن ينوي أن لا يقضي أو لا يقضي إلا أن ينوي أن يقضي-انتهى. وقال في المدونة: قلت لمالك: فرمضان ويوم الفطر وأيام النحر الثلاثة كيف يصنع فيها، وإنما نذر سنة بعينها أعليه قضاء أم ليس عليه قضاءها إذا كانت لا يصلح الصيام فيها؟ فقال أولا لا قضاء عليه إلا أن يكون نوى أن يصومهن قال، ثم سئل عن ذي الحجة من نذر صيامه أترى عليه أن يقضي أيام الذبح؟ فقال: نعم عليه القضاء، إلا أن يكون نوى حين نذر أن لا قضاء عليه-انتهى. وقال ابن قدامة (ج٩ص٢١، ٢٢) من نذر أن يصوم يوم يقدم فلان، فإن نذره صحيح، فإن قدم يوم فطر أو أضحى. فاختلفت الرواية عن أحمد فيه فعنه لا يصومه ويقضي ويكفر، نقله عن أحمد جماعة وهو قول أكثر أصحابنا، ومذهب الحكم وحماد. والرواية الثانية يقضي ولا كفارة عليه وهو قول الحسن والأوزاعي وأبي عبيد وقتادة وأبي ثور وأحد قولي الشافعي، فإنه فاته الصوم الواجب بالنذر فلزمه قضاءه ولم تلزمه كفارة لأن الشرع منعه من صومه فهو كالمكره وعن أحمد رواية ثالثة إن صامه صح صومه، وهو مذهب أبي حنيفة لأنه وفي بما نذر ويتخرج أن يكفر من غير قضاء لأنه وافق يوماً صومه حرام فكان موجبه الكفارة كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها ويتخرج أن لا يلزمه شيء من كفارة ولا قضاء بناء على من نذر المعصية، وهذا قول مالك والشافعي في أحد قوليه بناء على نذر المعصية-انتهى. وقد ظهر بهذا أن مذهب الحنابلة في هذه المسألة هو انعقاد النذر وصحته، ووجوب القضاء مع الكفارة. وأما أبوحنيفة فذكر العيني (ج١١ص١٠٩، ١١٠) ثلاث روايات عنه. إحداها صحة النذر في المسئلتين ووجوب القضاء، والثانية عدم صحة النذر مطلقاً وعدم وجوب القضاء، وهي رواية أبي يوسف وابن المبارك عنه. والثالثة: إن نذر صوم يوم النحر لا يصح، وإن نذر صوم غد وهو يوم النحر صح وهي رواية الحسن عنه، وظاهر الرواية هي الرواية الأولى أي صحة النذر مطلقاً من غير فرق بين أن يذكر المنهي عنه صريحاً كيوم النحر مثلا أو تبعاً كصوم غد، فإذا هو يوم النحر. قال في الهداية: إذا قال لله عليّ صوم يوم النحر، أفطر وقضى، فهذا النذر صحيح عندنا خلافاً لزفر والشافعي، هما يقولان: أنه نذر بما هو معصية لورود النهي عن صوم هذه الأيام، ولنا أنه نذر بصوم مشروع (لأن الدليل الدال على مشروعية الصوم لا يفصل بين يوم ويوم، فكان من حيث حقيقته حسناً مشروعا والنذر بما هو مشروع جائز) والنهي لغيره وهو ترك إجابة دعوة الله (لأن الناس أضياف الله في هذه الأيام) فيصح نذره لكنه يفطر احترازاً عن المعصية المجاوزة ثم يقضي إسقاطا للواجب وإن صام فيه يخرج عن العهدة مع الحرمة لأنه أداه كما التزمه-انتهى. وقال في الدار المختار: ولو نذر صوم الأيام المنهية أو صوم هذه السنة صح مطلقاً على المختار، وفرقوا النذر والشروع فيها، بأن نفس الشروع معصية، ونفس النذر طاعة فصح-انتهى.