قال الحافظ: أما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك، وإليه جنح ابن القيم حيث قال في الهدي: لا ريب إن قريشاً تعظم هذا اليوم، وكانوا يكسون الكعبة وصومه من تمام تعظيمه. وقال القرطبي: لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السلام وفي المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة، أنه سئل عن ذلك فقال إذ نبت قريش ذنباً فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك: قال القرطبي: وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل أن يكون ذلك استئلافاً لليهود باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك وعلى كل حال فلم يصمه إقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه كذا في الفتح (فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) كما كان يصومه قبل ذلك (وأمر) أصحابه (بصيامه) الظاهر أنه أمر إيجاب ففيه دليل لمن قال كان قبل النسخ واجباً، ومن لا يقول به يقول أنه أكد ندبه، ثم نسخ تأكيد ندبه فبقي مندوباً في الجملة. وسيأتي البسط في ذلك في شرح حديث جابر بن سمرة. فإن قيل يخالف حديث ابن عباس هذا ما رواه البخاري من حديث أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً، وفي رواية مسلم كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود، فإنه يشعر بأن الصوم كان لمخالفتهم وحديث ابن عباس يدل على أنه كان لموافقتهم قلنا لا منافاة بينهما إذ اليهود ثم غير اليهود هنا وأولئك كانوا يصومونه وهؤلاء لا يصومونه، فوافق أولئك في الصوم لمعرفته أنه الحق بوحي وخالف هؤلاء فيه لمعرفته خلاف ذلك. وقال الحافظ: ظاهر حديث أبي موسى إن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه، لأن يوم العيد لا يصام، وحديث ابن عباس يدل على أن الباعث على صوم موافقتهم على السبب وهو شكراً لله تعالى على نجاة موسى مع موافقة عادته، لكن لا يلزم من تعظيمهم واعتقادهم بأنه عيد، إنهم كانوا لا يصومونه فلعلهم كان من جملة تعظيمهم في شرعهم أن يصوموه. وقد ورد ذلك صريحاً في حديث أبي موسى هذا فيما أخرجه البخاري في الهجرة بلفظ: فإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه ولمسلم من وجه آخر قال: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم-انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصوم وذكر الأنبياء والهجرة والتفسير، ومسلم في الصوم واللفظ له، وأخرجه أيضاً أحمد (ج١ص٢٩١- ٣٢٠- ٣٣٦- ٣٤٠) وأبوداود وابن ماجه والدارمي والبيهقي (ج٤ص٢٨٦- ٢٨٩) والنسائي في الكبرى والطحاوي (ج١ص٣٣٧) .