قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: إنك عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاءه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل. ثم أمر به فسحب به على وجهه ثم ألقي في النار)) رواه مسلم.
٢٠٧- (١٠) وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساً
ــ
ابتغاء لوجهك، وشكراً لنعمتك. (تعلمت العلم ليقال: إنك عالم) ولعله لم يقل "وعملت العلم ليقال إنك معلم" للاختصار، واكتفاء بالمقايسة. (فقد قيل) لك عالم وقارئ، فمالك عندنا أجر. (ورجل وسع الله عليه) أي كثر ماله (وأعطاه) عطف بيان (من أصناف المال كله) كالنقود، والمتاع، والعقار، والمواشي. (فما عملت فيها) أي في مقابلة النعم، أو في الأموال. (ما تركت من سبيل)"من" زائدة تأكيداً لاستغراق النفي. (قال: كذبت) أي في قولك "لك"(هو جواد) أي سخي كريم. والحديث دليل على وجوب الإخلاص في الأعمال، وهو كما قال تعالى:{وما أمرو إلا ليعبدوالله مخلصين له الدين}[٥:٩٨] ، وأن العمومات الواردة في فضل الجهاد، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات، كل ذلك محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصاً. (رواه مسلم) في الجهاد، وأخرجه أيضاً النسائي. قال المنذري: ورواه الترمذي، وحسنه ابن حبان في صحيحه كلاهما بلفظ واحد.
٢٠٧- قوله:(قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي في حجة الوداع. (إن الله لا يقبض العلم) أي علم الكتاب والسنة (انتزاعاً) مفعول مطلق عن معنى يقبض، نحو قعد جلوساً. وقوله (ينتزعه من العباد) جملة مستأنفة لبيان القبض انتزاعاً، أي يرفعه عن قلوبهم. وقيل: صفة لانتزاعاً. والظاهر أن ضميره للعلم لا للانتزاع، فلا يصلح أن يكون صفة للانتزاع لعدم العائد، فليتأمل. أو هو مفعول مطلق مقدم، والجملة حالية، أي لا يقبض العلم حال كون العلم ينتزعه انتزاعاً من العباد، أو حال من العلم بمعنى منتزعاً أي لا يقبض العلم حال كونه منتزعاً ينتزعه من العباد. (ولكن يقبض العلم) أي يرفعه (بقبض العلماء) أي بموتهم وقبض أرواحهم. (حتى) ابتدائية دخلت على الجملة (إذا لم يبق) الله (عالماً) وفي رواية "لم يترك عالماً" ولفظه "حتى" تدل على أن ذلك واقع بالتدريج كما أن "إذا" تدل على أنه واقع لا محالة. (رؤساء) ضبط في مسلم بوجهين: أحدهما بضم الهمزة والتنوين جمع رأس، أي سادة كبراء عظماء، والثاني رؤساء جمع رئيس، وكلاهما صحيح، والأول