ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يارسول الله! أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل)) . رواه البخاري.
ــ
وقد تقدم البسط في هذه المسألة في شرح حديث حفصة لا صيام لمن يجمع الصيام من الليل (أهدي لنا) أي أرسل إلينا بطريق الهدية (حيس) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة تمر مخلوط بسمن وقط. وقيل: طعام يتخذ من الزبد والتمر والإقط، وقد يبدل الإقط بالدقيق، والزبد بالسمن، وقد يبدل السمن بالزيت قاله القاري. وقال في القاموس: الحيس الخلط، وتمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديداً، ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق-انتهى. (أرينيه) أمر من إلا راءة، ورواية أبي داود أدنيه من الإدناء، وكذا وقع في رواية للنسائي "وأرينيه" كناية عنها لأن ما يكون قريباً يكون مرئياً ذكره الطيبي، وفي رواية لمسلم هاتيه (فلقد أصبحت صائماً) وفي رواية للنسائي إني قد أصبحت أريد الصوم. (فأكل) وفي رواية أخرى لمسلم فأكل، ثم قال قد كنت أصبحت صائماً، وفي رواية للنسائي فأفطر. قال السندي: هذا يدل على جواز الفطر للصائم تطوعاً بلا عذر وعليه كثير من محققي علماءنا الحنفية، لكنهم أوجبوا القضاء. وقال ابن الهمام: لا خلاف بين أصحابنا في وجوب القضاء إذا أفسد عن قصد أو غير قصد بأن عرض الحيض للصائمة المطوعة خلافاً للشافعي. وإنما اختلاف الرواية في نفس الإفساد هل يباح أولاً، فظاهر الرواية لا إلا بعذر ورواية المنتقى يباح بلا عذر، قال وعندي إن رواية المنتقى أوجه-انتهى. وقال الخطابي (ج٢ص١٢٤) في الحديث من الفقه جواز إفطار الصائم قبل الليل إذا كان متطوعاً به، ولم يذكر فيه إيجاب القضاء وكان غير واحد من الصحابة يفعل ذلك، منهم ابن مسعود وحذيفة وأبوالدرداء وأبوأيوب الأنصاري، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال ابن قدامة:(ج٣ص١٥١) من دخل في صيام تطوع استحب له إتمامه ولم يجب فإن خرج منه فلا قضاء عليه، روى عن ابن عمر وابن عباس أنهما أصبحا صائمين ثم أفطراً. وقال ابن عمر: لا بأس به مالم يكن نذراً أو قضاء رمضان. وقال ابن عباس: إذا صام الرجل تطوعاً ثم شاء أن يقطعه قطعة، وإذا دخل في صلاة تطوعاً ثم شاء أن يقطعها قطعها وقال ابن مسعود: متى أصبحت تريد الصوم فأنت على آخر النظرين إن شئت صمت وإن شئت أفطرت، فهذا مذهب أحمد والثوري والشافعي وإسحاق. وقد روى حنبل عن أحمد إذا أجمع على الصيام فأوجبه على نفسه فأفطر من غير عذر أعاد يوماً مكان ذلك اليوم، وهذا محمول على أنه استحب له ذلك أو نذره ليكون موافقاً لسائر الروايات عنه، وقال النخعي وأبوحنيفة ومالك: يلزم بالشروع فيه، ولا يخرج منه إلا لعذر، فإن خرج قضى، وعن مالك لا قضاء عليه (أي إذا أفطر بعذر) واحتج من أوجب القضاء بما روى عن عائشة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالقضاء يعني ما سيأتي في الفصل الثالث من حديث الزهري عن عروة عن عائشة، وسيأتي الجواب عنه.