قال ابن قدامة: ولنا ما روى مسلم وأبوداود والنسائي عن عائشة قالت دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال هل عندكم شيء فقلت لا-الحديث. وقال الحافظ: جواز الفطر من صوم التطوع هو قول الجمهور، ولم يجعلوا عليه قضاء إلا أنه يستحب له ذلك، وروى عبد الرزاق عن ابن عباس أنه ضرب لذلك مثلاً كمن ذهب بمال ليتصدق به ثم رجع ولم يتصدق به أو تصدق ببعضه وأمسك بعضه. وعن مالك الجواز وعدم القضاء بعذر، والمنع، وإثبات القضاء بغير عذر، وعن أبي حنيفة يلزمه القضاء مطلقاً ذكره الطحاوي وغيره. وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على عدم وجوب القضاء عمن أفسد صومه بعذر. قلت ويدل على ما ذهب إليه الجمهور من جواز الإفطار، وعدم وجوب القضاء حديث أبي جحيفة الذي رواه البخاري والترمذي في قصة زيارة سلمان أبا الدرداء، وإفطار أبي الدرداء لقسم سلمان لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرر ذلك، ولم يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وأجاب القرطبي عنه بأن إفطار أبي الدرداء كان لقسم سلمان ولعذر الضيافة. وفيه إن هذا يتوقف على أن هذا العذر من الأعذار التي تبيح الإفطار، وقد نقل ابن التين عن مذهب مالك إنه لا يفطر لضيف نزل به ولا لمن حلف عليه بالطلاق والعتاق. واستدل للجمهور أيضاً بحديث عائشة الذي نحن في شرحه لأنه لم يذكر فيه القضاء. وأجيب عنه بأنه زاد فيه بعضهم فأكل ثم قال أصوم يوماً مكانه، أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والدارقطني والشافعي والبيهقي في المعرفة، وفي السنن الكبرى (ج٤ص٢٧٥) والطحاوي (ص٣٥٥) كلهم من رواية ابن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين. وقد صحح هذه الزيادة أبومحمد عبد الحق كما في البناية (ج٢ص٣٥٦) والمرقاة (ج٢ص٥٥٤) وقال ابن التركماني: هذه الزيادة من ثقة أصر عليها فهي مقبولة. قلت في كون هذه الزيادة محفوظة صحيحة نظر، فإنها قد ضعفها الأئمة الحفاظ كالنسائي والدارقطني والشافعي والبيهقي. قال النسائي: هذا خطأ يعني من ابن عيينة. ونسب الدارقطني الوهم فيها لمحمد بن عمرو الباهلي الراوي عنده ابن عيينة، لكن رواها النسائي عن محمد بن منصور عن ابن عيينة، وكذا رواها الشافعي عن ابن عيينة لكن قال سمعت سفيان بن عيينة عامة مجالسه لا يذكر فيه، سأصوم يوماً مكانه ثم عرضته عليه قبل موته بسنة فذكره فيه. وقال الحافظ في التلخيص:(ص١٩٧) ذكر الشافعي إن ابن عيينة زادها قبل موته بسنة-انتهى. وابن عيينة كان في الآخر قد تغير. وقال في تهذيب التهذيب قال ابن عمار: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول اشهدوا إن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة، فمن سمع منه في هذه السنة وبعدها فسماعه لا شيء. قال الحافظ: وقد وجدت عن يحيى بن سعيد شيئاً يصلح أن يكون سبباً لما نقله عنه ابن عمار في حق ابن عيينة،