وذلك ما أورده أبوسعد بن السمعاني في ترجمة إسماعيل بن أبي صالح المؤذن من ذيل تاريخ بغداد بسند له قوى إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم. قال سمعت يحيى بن سعيد يقول قلت لابن عيينة كنت تكتب الحديث، وتحدث اليوم وتزيد في إسناده أو تنقص منه، فقال عليك بالسماع الأول فإني قد سمعت. وقد ذكر أبومعين الرازي في زيادة كتاب الإيمان لأحمد إن هارون بن معروف قال له إن ابن عيينة تغير أمره بآخره-انتهى. وهذا كله يدل على أن الشافعي قد بين علة الحديث بقوله سمعت سفيان بن عيينة عامة مجالسه لا يذكر فيه الخ. وقال البيهقي في المعرفة: وقد رواه جماعة عن سفيان دون هذه اللفظة، ورواه جماعة عن طلحة بن يحيى دون هذه اللفظة، منهم سفيان الثوري وشعبة ووكيع ويحيى القطان وغيرهم. وقال في السنن بعد ذكر كلام الشافعي المذكور: ورواية ابن عيينة عامة دهره لهذا الحديث لا يذكر فيه هذا اللفظ مع رواية الجماعة عن طلحة لا يذكره أحد، منهم الثوري وشعبة وعبد الواحد ابن زياد ووكيع ويحيى القطان ويعلى بن عبيد وغيرهم، تدل على خطأ هذه اللفظة. وقد روى من وجه آخر عن عائشة ليس فيه هذه اللفظة-انتهى. واجتماع هؤلاء الأئمة الحفاظ على تضعيف هـ١ذه الزيادة مقدم على تصحيح عبد الحق، وليس كل زيادة من الثقة تقبل بل لكل زيادة حكم يخصها، كما ذكر الزيلعي (ج١ص٣٣٦، ٣٣٧) وههنا قد وجدت قرينة تدل على كون هذه الزيادة وهماً ومدرجة، فالحكم مقبولة مردود. وعلى تقدير أن تكون محفوظة يحمل القضاء على الندب. قال البيهقي: وحمل الشافعي قوله سأصوم يوماً مكانه أي تطوعاً وجعله بمثابة قضاءه عليه السلام الركعتين اللتين بعد الظهر حين شغله عنهما الوفد. واستدل للجمهور أيضاً بما روى البخاري وغيره من أمره صلى الله عليه وسلم جويرية بالإفطار من صوم يوم الجمعة. وبحديث أم هانىء الآتي. وقد وقع في رواية لأحمد (ج٦ص٣٤٣، ٣٤٤) والنسائي في الكبرى والدارقطني (ص٢٣٥) والدارمي والطحاوي (ج١ص٣٥٣) والبيهقي (ج٤ص٢٧٨، ٢٧٩) إن كان قضاء من رمضان فصومي يوماً مكانه، وإن كان تطوعاً فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي. وبما رواه البيهقي (ج٤ص٢٧٩) عن أبي سعيد قال صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فلما وضع قال رجل أنا صائم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم مكانه يوماً إن شئت، رواه إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن ابن المنكدر عنه. قال الحافظ في الفتح: وإسناده حسن وهو دال على عدم الإيجاب. واحتج من أوجب القضاء بما سيأتي من حديث الزهري عن عروة أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة وحفصة بالقضاء حين أفطرتا من صوم التطوع. والجواب عنه بأنه حديث ضعيف غير صالح للاستدلال كما ستعرف. وعلى تقدير الصحة يحمل الأمر بالقضاء على الاستحباب، لتجتمع الأحاديث الواردة في الباب.