للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

واحتجوا أيضاً لذلك ولتحريم الأكل من غير عذر بقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام على الليل} [البقرة: ١٨٧] فإنه يعم الفرض والنفل. وبقوله تعالى: {أوفوا بالعقود} [المائدة: ١] وهذا قد عقد الصوم فوجب أن يفيء به. وبقوله تعالى: {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} [الحج: ٣٠] وليس من تعمد الفطر بمعظم لحرمة الصوم. وبقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: ٣٣] وبقوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} [الحديد: ٢٧] الآية سيقت في معرض ذمهم على عدم رعاية ما التزموه من القرب التي لم تكتب عليهم، والقدر المؤدي عمل كذلك، فوجب صيانته عن الأبطال بهذين النصين فإذا أفطر وجب قضاءه تفادياً أي تبعداً عن الأبطال. وأجيب بأن هذه النصوص كلها من الأدلة العامة، وقد تقرر في موضعه إن الخاص يقدم على العام. قال ابن المنير المالكي: ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} إلا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان ونحوه. وقال ابن عبد البر المالكي: من احتج في هذا بقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} فهو جاهل بأقوال أهل العلم فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل اخلصوها لله وقال آخرون: {لا تبطلوا أعمالكم} بارتكاب الكبائر (أو بالكفر والنفاق أو بالمن والأذى ونحوها) ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال مالم يفرضه الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر وغيره لأمتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك والله أعلم. وحديث الباب رواه ابن ماجه من طريق طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة وزاد قالت، وربما صام وأفطر. قلت: كيف ذا قالت إنما مثل هذا مثل الذي يخرج بصدقة فيعطي بعضاً ويمسك بعضاً، وروى النسائي هذا المثل من هذا الوجه مرفوعاً. قال السندي في حاشية ابن ماجه: قوله"صام وأفطر" أي جمع بينهما. وفيه إن من عزم على الصوم ثم أفطر له أجر القدر الذي مضى فيه على صومه، وهو بمنزله إعطاءه بعض ما قصد التصدق به، وعلى هذا لا ينتهض الاستدلال بقوله: {ولا تبطلوا أعمالكم} على عدم جواز إفطار الصوم أصلاً فافهم والله أعلم-انتهى. واحتجوا أيضاً لوجوب القضاء بما روى الدارقطني (ص٢٣٧) عن جابر قال. صنع رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاماً فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحاباً له، فلما أتى بالطعام تنحى أحدهم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - مالك قال غني صائم فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلف لك أخوك وصنع، ثم تقول إني صائم كل وصم يوماً مكانه. ورواه أبوداود الطيالسي (ص٢٩٣) والدارقطني أيضاً من حديث أبي سعيد. قال الدارقطني: هذا أي حديث أبي سعيد مرسل. وأجيب بأن الأمر فيهما محمول على الندب كما يدل عليه رواية أبي سعيد عند البيهقي بلفظ: صم مكانه يوماً إن شئت، فعلق القضاء على المشيئة وهذا ليس من شأن الواجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>