ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد أريت هذه الليلة، ثم أنسيتها، وقد رأيتني اسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر،
ــ
والمشهور في الاستعمال تأنيث العشر وتذكيره أيضاً لغة صحيحه باعتبار الوقت. والزمان، ويكفي في صحتها ثبوت استعمالها في هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أتيت) على بناء المجهول، وفي رواية البخاري في كتاب الصلاة إن جبريل أتاه في المرتين فقال له أن الذي تطلب أمامك بفتح الهمزة أي قدامك (فقيل لي) أي قال لي الملك (إنها) أي ليلة القدر (في العشر الأواخر) قال الطيبي: وصف العشر الأول والأوسط بالمفرد، والأخير بالجمع إشارة إلى تصور ليلة القدر في كل ليلة من ليالي العشر الأخير دون الأولين (فمن كان اعتكف) أي أراد الاعتكاف (معي) وقال ابن الملك: أي من أراد موافقتي. وقال الطيبي: وإنما أمر بالاعتكاف من كان معه في العشر الأول والأوسط لئلا يضيع سعيهم في الاعتكاف والتحري. وقال ابن حجر: ليس للتقييد بل لإفهامه إن من لم يكن معه معتكفاً أولى. قلت هذا لفظ البخاري ولمسلم في الرواية التي ذكرها المصنف فمن أحب منكم أن يعتكف (فليعتكف العشر الأواخر) قال الطيبي: الأمر بالاعتكاف للدوام والثبات، وفي رواية فليثبت في معتكفة من الثبات، وفي أخرى فليلبث من اللبث، وفي رواية لمسلم فليبت من المبيت، وكله صحيح (فقد أريت) بضم الهمزة على بناء المجهول المتكلم أي أعلمت (هذه الليلة) مفعول به لا ظرف أي أرأيت ليلة القدر معينة (ثم أنسيتها) بضم الهمزة من الإنساء، والمراد أنه أنسى علم تعيينها في تلك السنة لا رفع وجودها لأنه أمر بالتماسها حيث قال فالتمسوها في العشر الأواخر. قال ابن حجر: المراد أنه أخبر بأنها ليلة كذا ثم أنسى ما أخبر به والمخبر بذلك جبريل. وقال القفال في العدة فيما حكاه الطبري: ليس معناه أنه رأى الليلة أو الأنوار عياناً، ثم نسي في أي ليلة رأى ذلك لأن مثل هذا قل أن ينسى أي في صبيحتها وإنما رأى أنه قيل له: ليلة القدر، ليلة كذا وكذا ثم نسي كيف قيل له، وسيأتي سبب النسيان في هذه القصة في حديث عبادة بن الصامت في الفصل الثالث من هذا الباب. وفي الحديث إن النسيان جائز على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا نقص في ذلك، لا سيما في ما لم يؤذن له في تبليغه، وقد يكون في ذلك مصلحة تتعلق بالتشريع كما في قصة السهو في الصلاة أو بالاجتهاد في العبادة كما في هذه القصة، لأنه لو عينت ليلة القدر في ليلة بعينها اقتصر الناس على العبادة فيها ففاتت العبادة في غيرها وكأن هذا هو المراد بقوله عسى أن يكون خيرا لكم كما سيأتي في حديث عبادة (وقد رأيتني) بضم التاء للمتكلم، وفيه عمل الفعل في ضميري الفاعل والمفعول، وهو المتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي (أسجد) بالرفع حال وقيل تقديره أن أسجد