وإن شئت جعلت في رمضان هو الخبر كقولهم ضربي في الدار، لأن المعنى كان أجود أكوانه أي الكون الذي هو أجود الأكوان حاصلاً في هذا الوقت فلا يتعين أن يكون من باب أخطب ما يكون الأمير قائماً ووجه آخر أن يكون في كان ضمير الشأن وأجود ما يكون مبتدأ، وخبره في رمضان والتقدير كان الشأن أجود أكوان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رمضان أي حاصل في رمضان. ووجه آخر في كان ضمير يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجعل أجود ما يكون إما مبتدأ خبره قوله في رمضان من باب قولهم أكثر شربي السويق في يوم الجمعة، والجملة بكمالها خبر كان كقولك كان زيد أحسن ما يكون في يوم الجمعة، وأما بدلاً من الضمير في كان فيكون من بدل الاشتمال كما تقول كان زيد علمه حسنا. ووجه آخر أن يكون أجود اسم كان ويكون الوقت مقداراً كما في مقدم الحاج، والتقدير كان أجود أوقات كونه في رمضان وإسناد الجود إلى أوقاته عليه الصلاة والسلام على سبيل المبالغة كإسناد الصوم إلى النهار والقيام إلى الليل في قولهم نهاره صائم وليله قائم وأما النصب فهو رواية الأصيلي ووجهه أن يجعل اسم كان ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وأجود خبرها "وما" حينئذٍ مصدرية ظرفية، والتقدير كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة كونه في رمضان أجود منه في غيره. وقال البدر الدماميني في المصابيح: ولك مع نصب أجود أن تجعل "ما" نكرة موصوفة فيكون في رمضان متعلقاً "بكان" مع أنها ناقصة بناء على القول بدلالتها على الحدث، وهو صحيح عند جماعة واسم "كان" ضمير عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى جوده المفهوم مما سبق أي وكان - صلى الله عليه وسلم - في رمضان أجود شيء يكون، أو وكان جوده في رمضان أجود شيء يكون فجعل الجود متصفاً بالأجودية مجازاً كقولهم شعر شاعر- انتهى. قلت: ويؤيد الرفع ويرجحه وروده بدون كان عند البخاري في المناقب في باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي فضائل القرآن. وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - أجود ما يكون في رمضان لنه موسم الخيرات وتزايد الخيرات فإن الله تعالى يتفضل على عباده في هذا الشهر ما لا يتفضل عليهم في غيره فأراد صلى الله عليه وسلم متابعة سنة الله عزوجل (كان جبريل يلقاه) أي ينزل عليه، وفي رواية مسلم (إن جبريل كان يلقاه) وللبخاري (وكان جبريل يلقاه) وفي رواية له أيضاً (لأن جبريل كان يلقاه)(كل ليلة) وفي رواية (في كل ليلة)(في رمضان) زاد في رواية حتى ينسلخ أي رمضان وهذا ظاهر في أنه كان يلقاه في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن إلى رمضان الذي توفى بعده وليس بمقيد برمضانات الهجرة وإن كان أيام شهر رمضان إنما فرض بعد الهجرة إذ أنه كان يسمى به قبل فرض صومه، نعم يحتمل أنه لم يعارضه في رمضان من السنة الأولى لوقوع ابتداء النزول فيها ثم فتر الوحي