يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة)) .
ــ
ثم تتابع (يعرض) بفتح الياء وكسر الراء أي يقرأ (عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن) أي بعضه أو معظمه. قال ابن حجر: يعني على جهة المدارسة كما في رواية للبخاري فيدارسه القرآن، وهي أن تقرأ على غيرك مقداراً معلوماً ثم يقرأ عليك أو يقرأ قدره مما بعده وهكذا- انتهى. قيل: الحكمة فيه إن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس. والغنى سبب الجود والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعم من الصدقة، وأيضاً فرمضان موسم الخيرات لأن نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثر متابعة سنة الله في عباده، فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود والعلم عند الله. وفي الحد إطلاق القرآن على بعضه وعلى معظمه لأن أول رمضان من البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه، ثم كذلك كل رمضان بعده إلى رمضان الأخير فكان قد نزل كله إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور وكان في سنة عشر إلى أن توفي - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، ومما نزل في تلك المدة {اليومَ أكملتُ لكُم دينكم}[المائدة:٣] فإنها نزلت يوم عرفة بالاتفاق، ولما كان ما نزل في تلك الأيام قليلاً اغتفروا أمر معارضته فاستفيد منه إطلاق القرآن على بعضه مجازاً، ومن ثم لا يحنث من حلف ليقرأ القرآن فقرأ بعضه إلا أن قصد الجميع كذا في الفتح. وإنما خص الليل المذكور بمعارضة القرآن لأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم والليل مظنة ذلك بخلاف النهار، فإن فيه الشواغل والعوارض على ما لا يخفى، ولعله صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأ كل ليلة جزأ في جزء من الليلة، وبقية ليلته لما سوى ذلك من تهجد وراحة وتعهد أهله، ويحتمل انه كان يعيد ذلك الجزء مراراً بحسب تعدد الحروف المنزل بها القرآن (فإذا لقيه جبريل كان) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (أجود بالخير من الريح المرسلة) بفتح السين أي المطلقة يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة وإلى عموم النفح بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه. قال ابن المنير: وجه التشبيه بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير، وبين أجودية الريح المرسلة إن المراد بالريح، ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى: لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة - صلى الله عليه وسلم -. وقال الطيبي: يحتمل أنه أراد بها التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمة الله تعالى، وذلك لشمول روحها وعموم نفعها قال تعالى:{والمرسلات عرفاً}[المرسلات-١] فاحد الوجوه في الآية أنه أراد بها الرياح المرسلات للإحسان والمعروف، ويكون انتصاب عرفا بالمفعول له يعني هو أجود من تلك الريح في عموم النفع والإسراع فيه،