ولفظ الخير شامل لجميع أنواعه بحسب إختلاف ما جاءت الناس به، وكان عليه الصلاة والسلام يجود على كل أ؛ د منهم بما يسد خلته ويشفى علته. قال الحافظ: في الحديث جوازاً لمبالغة في التشبيه، وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه وذلك أنه أثبت له أولاً وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح المرسلة بل جعله أبلغ في ذلك، منها، لأن الريح قد تسكن. وفيه الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضار، ومنها المبشر بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثاني قال تعالى:{هو الذي يرسل الرياح بشراً}[الأعراف:٥٧] فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها، وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا تنقطع، وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي لأن الجود منه - صلى الله عليه وسلم - حقيقة ومن الريح مجاز-انتهى. وقيل: وتعبيره بأفضل نص في كونه أعظم جوداً منها لأن الغالب عليها أن تأتي بالمطر، وربما خلت عنه وهو لا ينفك عن العطاء والجود. قال الطيبي: شبه نشر جوده بالخير في العباد بنشر الريح القطر في البلاد وشتان ما بين الأثرين، فإن أحدهما يحيى القلوب بعد موتها، والأخر يحيى الأرض بعد موتها. وقال بعضهم: فضل جوده على جود الناس، ثم فضل جوده في رمضان على جود في غيره، ثم فضل جوده في ليالي رمضان وعند لقاء جبريل على جوده في سائر أوقات رمضان، ثم شبه بالريح المرسلة في التعميم والسرعة. قال ابن الملك: لأن الوقت إذا كان أشرف يكون الجود فيه أفضل-انتهى. وفي الحديث فوائد، منها الحث على الجود في كل وقت ومنها الزيادة في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح، وفيه زيارة الصلحاء وأهل الخير وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه، واستحباب الإكتثار من القراءة في رمضان، وكونها أفضل من سائر الأذكار إذ لو كان الذكر أفضل أو مساوياً لفعلاه. فإن قيل: المقصود تجويده الحفظ. قلنا: الحفظ كان حاصلاً والزيادة فيه تحصل ببعض هذه المجالس (متفق عليه) أخرجه البخاري في بدأ الوحي والصوم وصفة النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ الخلق وفضائل القرآن، ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه أيضاً أحمد (ج١:ص٢٣١-٢٨٨-٣٢٦-٣٦٣-٣٦٦-٣٧٣) وزاد في رواية لا يسئل عن شيء إلا أعطاه، وأخرجه الترمذي في الشمائل والبيهقي (ج٤:ص٣٠٥) قال ابن حجر: فإن قلت ما وجه مناسبة ذكر هذا الحديث لهذا الباب: لأن غاية الأجودية فيه إنما حصلت في حال الاعتكاف لأن أفضل أوقات مدارسة جبريل له العشر الأخير، وهو فيه معتكف كما مر في الحديث الأول فكأن المصنف وأصله يقولان بتأكد الاعتكاف في العشر الأخير لأن له غايات علية إلا أرى إن غاية جوده عليه الصلاة والسلام إنما كانت تحصل وهو معتكف وأبدى شارح لذلك مناسبة بعيدة جداً فقال قلت من حيث إتيان أفضل الملائكة إلى أفضل خليقة بأفضل كلام من أفضل متكلم في أفضل أوقات، فالمناسب أن يكون في أفضل بقاع-انتهى.