للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب. حتى رأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام

ــ

ونقل عن بعض أهل اللغة أن "نبك" في "قفا نبك" مجزوم على تأويل الأمر، أي فلنبك واحتج بقوله تعالى: {ذرهم يأكلوا} [٣:١٥] أي فليأكلوا، ولو حمل "تصدق" على الفعل الماضي لم يساعده قوله: ولو بشق تمرة، إذا المعنى ليتصدق رجل ولو بشق تمرة، وكذا قوله: "فجاء رجل" الخ.؛ لأنه بيان لامتثال أمره - عليه السلام - عقيب الحث على الصدقة، ولمن يجريه على الإخبار وجه لكن فيه تعسف غير خاف- انتهى. قال الأبهرى: ويأبى عن الحمل على حذف اللام عدم حرف المضارعة- انتهى. فيتعين حمله على أنه خبر لفظاً وأمر معنى، وإتيان الإخبار بمعنى الإنشاء كثير في الكلام ليس فيه تكلف فضلاً عن تعسف. قال الطيبي: و"رجل" نكرة وضعت موضع الجمع المعرف لإفادة الاستغراق في الإفراد وإن لم تكن في سياق النفي كشجرة في قوله: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} [٢٧:٣١] ، فإن "شجرة" وقعت موضع الأشجار. ومن ثم كرر في الحديث مراراً بلا عطف، أي ليتصدق رجل من ديناره، ورجل من درهمه، وهلم جرا، و"من" في "من دينار" إما تبعيضية أي ليتصدق مما عنده من هذا الجنس، وإما ابتدائية متعلقة بالفعل، فالإضافة بمعنى اللام، أي ليتصدق بما هو مختص به وهو مفتقر إليه. (حتى قال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتصدق كل رجل منكم. (ولو بشق تمرة. قال) أي الراوى وهو جرير (بصرة) بالضم أي ربطة من الدراهم لا من الدنانير على الظاهر. (تعجز عنها) أي عن حمل الصرة لثقلها لكثرة ما فيها. (ثم تتابع الناس) أي توالوا في إعطاء الصدقات. (كومين) الكوم بالضم العظيم من كل شيء، والكوم بالفتح المكان المرتفع كالرابية. قال القاضي: الفتح هنا أولى؛ لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية. (من طعام) الظاهر أنه هنا حبوب، ولعل الاقتصار عليه من غير ذكر النقود لغلبته. (يتهلل) أي يستنير فرحاً وسروراً. (مذهبة) بضم الميم وسكون الذال المعجمة وفتح الهاء بعده موحدة أي فضة مذهبة أي مموهة بالذهب، ومعناه ظهور البشر في وجهه - صلى الله عليه وسلم - حتى استنار وأشرق من السرور، والمذهبة أيضاً صحيفة منقشة بالذهب، أو ورقه من القرطاس مطلية بالذهب، يصف حسنه وتلألؤه. (من سن في الإسلام سنة حسنة) أي أتى بطريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين، أو صار باعثاً وسبباً لترويج أمر ثابت في الشرع (فله أجرها) أي أجر السنة أي ثواب العمل بها والإضافة لأدنى ملابسة، فإن السنة سبب ثبوت الأجر فجازت الإضافة. (من بعده) أي من بعد ما سن (من غير أن ينقص) على البناء للمفعول، وجوز

<<  <  ج: ص:  >  >>