للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

((كنا في صدر النهار عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعّر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} إلى آخر الآية {إن الله كان عليكم رقيباًْْ} والآية التي في الحشر: {اتقوالله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} تصدق رجل من ديناره،

ــ

وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بستة. مات سنة (٥١) ، وقيل: بعدها، روى عنه خلق كثير. (كنا في صدر النهار) أي أوله (عراة) جمع عار، أي يغلب عليهم العري، حال كونهم (مجتابى) بالجيم الساكنة وبعد الألف باء موحدة، من الاجتياب. (النمار) بكسر النون جمع نمرة بالفتح، وهي كساء مخطط من صوف، أي لابسي النمار قد خرقوها في رؤسهم وقوروا وسطها، والجوب القطع. (أو العباء) بفتح العين كساء معروف و"أو" للشك من الراوي. (عامتهم) أي أكثرهم أو غالبهم. (بل كلهم من مضر) قال السندهي: إضراب إلى التحقيق، ففيه أن قوله "عامتهم" كان عن عدم التحقيق، واحتمال أن يكون البعض من غير مضر أول الوهلة. (فتعمر) أي تغير (وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي وظهر عليه آثار الحزن. (من الفاقة) أي الفقر الشديد، و"من" بيان "لما". (فدخل) أي بيته، لعله لاحتمال أن يجد في البيت ما يدفع به فاقتهم، فعله ما وجد فخرج، أو دخل لتجديد الطهارة، والله أعلم. (فأمر بلالاً) أي بالأذان (فصلى) أي إحدى الصلوات المكتوبة بدليل الأذان والإقامة، والظاهر أنها الظهر لقوله "في صدر النهار". (فقال: يا أيهاالناس اتقوا ربكم) الخ. سبب قراءة هذه الآية وهي أول النساء أنها أبلغ في الحث على الصدقة عليهم؛ ولما فيها من تأكد الحق لكونهم إخوة. (إلى آخر الآية) وتمامها {وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام} [١:٤] {إن الله كان عليكم رقيباً} بيان لآخر الآية. (والآية التي في الحشر) بالنصب عطفاً من حيث المعنى على قوله: {ياأيها الناس اتقوا} على تأويل "قال" بقرأ. أي قرأ هذه الآية والآية التي في سورة الحشر، قاله الطيبي. وأولها {ياأيها الذين آمنوا} وبعده {اتقوالله ولتنظر نفس} نكرة تفيد العموم، أي كل نفس، كقوله تعالى: {علمت نفس} [٥:٨٢] أي لتتفكر وتتأمل النفوس. {ما قدمت} أي أى شيء من العبادات والخيرات أرسلته إلى الآخرة {لغد} أي لنفع غد من الزمان، وهو يوم القيامة، وتمامها {واتقوالله، إن الله خبير بما تعملون} [١٨:٥٩] . (تصدق رجل من ديناره) بفتح القاف صيغة ماضٍ بمعنى الأمر، ذكر بصيغة الإخبار مبالغة فكأنه أمره وامتثل به فأخبر عنه به، وبه اندفع قول الطيبي: لوحمل "تصدق" على الماضي لم يساعده قوله: "ولو بشق تمرة"؛ لأن ذلك لو كان إخباراً معنى، وأما إذا كان أمراً معنى فلا. قلت: قال الطيبي: لعل الظاهر "ليتصدق رجل" ولام الأمر للغائب محذوف والقاف ساكنة، وجوزه ابن الأنبارى،

<<  <  ج: ص:  >  >>