وذهبت طائفة إلى أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجمعة روى ذلك عن علي وابن مسعود وعروة وعطاء والحسن والزهري وهو قول مالك في المدونة، قال أما من تلزمه الجمعة فلا يعتكف إلا في الجامع. وقالت طائفة: الاعتكاف يصح في كل مسجد، روى ذلك عن النخعي وأبي سلمة والشعبي وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي في الجديد، وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وهو قول الجمهور والبخاري أيضاً، حيث استدل بعموم الآية في سائر المساجد، فقال باب الاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} قال العيني: جمع (أي البخاري) المساجد وأكدها بلفظ: كلها إشارة إلى أن الاعتكاف لا يختص بمسجد دون مسجد. وقال صاحب الهداية: الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد الجماعة (وهو الذي له مؤذن وإمام ويصلي فيه الصلوات الخمس أو بعضها بجماعة) وعن أبي حنيفة أنه لا يصح إلا في مسجد يصلي فيه الصلوات الخمس أي بجماعة قلت: وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة وصححه بعض مشائخ الحنفية وهو قول أحمد. قال الخرقي: لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه. قال ابن قدامة (ج٣ص٨٧) يعني تقام الجماعة فيه، وإنما اشترط ذلك لأن الجماعة واجبة واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين، إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه، وذلك مناف للاعتكاف إذ هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله فيه ولا يصح الاعتكاف في غير مسجد إذا كان المعتكف رجلاً لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً. والأصل في ذلك قوله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} فخصها بذلك فلو صح الاعتكاف في غيرها لم يختص تحريم المباشرة فيها، فإن المباشرة محرمة في الاعتكاف مطلقاً، وروى الدارقطني بإسناده عن الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب عن عائشة في حديث، وإن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. فذهب أحمد إلى أن كل مسجد تقام فيه الجماعة يجوز الاعتكاف فيه، ولا يجوز في غيره. وقال الشافعي: يصح الاعتكاف في كل مسجد إذا لم يكن اعتكافه يتخلله جمعة، ولنا حديث عائشة المتقدم. وقد قيل إن هذا من قول الزهري وهو ينصرف إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيفما كان. وروى سعيد من طريق الضحاك عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل مسجد له إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصلح، ولأن قوله تعالى:{وأنتم عاكفون في المساجد} يقتضي إباحة الاعتكاف في كل مسجد إلا أنه يقيد بما تقام فيه الجماعة بالأخبار، ففيما عداه يبقى على العموم، وقول الشافعي في اشتراطه موضعاً تقام فيه الجمعة لا يصح للأخبار، ولأن الجمعة لا تتكرر فلا يضر وجوب الخروج إليها ولو كان الجامع تقام فيه الجمعة وحدها، ولا يصلي فيه غيرها لم يجز الاعتكاف فيه، ويصح عند مالك والشافعي. ومبني الخلاف على أن الجماعة واجبة عندنا فيلتزم الخروج من معتكفه إليها فيفسد اعتكافه وعندهم ليست بواجبة وإن كان اعتكافه مدة غير وقت الصلاة كليلة أو بعض يوم،