هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به اللسنة،
ــ
أو يقع بينكم من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان والحلال والحرام وسائر شرائع الإسلام ومباني الأحكام (هو الفصل) كذا وقع في الدارمي، وهكذا في جامع الأصول، وعند الترمذي وهو الفصل أي الفاصل بين الحق والباطل أو المفصول والمميز فيه الخطأ والصواب، وما يترتب عليه الثواب والعذاب وصف بالمصدر مبالغة (ليس بالهزل) أي جد كله وحق جميعه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والهزل في الأصل القول المعرى عن المعنى المرضي، واشتقاقه من الهزال ضد السمن، والحديث مقتبس من قوله تعالى:{إنه لقول فصل وما هو بالهزل}[الطارق: ١٣- ١٤](من تركه) أي القرآن إيماناً وعملاً (من جبار) أي متكبر بين التارك بمن جبار ليدل على أن الحامل له على الترك إنما هو التجبر والحماقة. قال الطيبي: من ترك العمل بآية أو بكلمة من القرآن مما يجب العمل به أو ترك قراءتها من التكبر كفر، ومن ترك عجزاً أو كسلاً أو ضعفاً مع اعتقاد تعظيمه فلا إثم عليه، أي بترك القراءة، ولكنه محروم ذكره القاري (قصمه) أي أهلكه أو كسر عنقه وأصل القصم الكسر والإبانة (ومن ابتغى الهدى) أي طلب الهداية من الضلالة (في غيره) من الكتب والعلوم التي غير مأخوذة منه ولا موافقة معه (أضله الله) أي عن طريق الهدى وأوقعه في سبيل الردى (وهو) أي القرآن (حبل الله المتين) أي المحكم القوي، والحبل مستعار للوصل، ولكل ما يتوصل به إلى شي أي الوسيلة القوية إلى معرفة ربه وسعادة قربه (وهو الذكر) أي ما يذكر به الحق تعالى أو ما يتذكر به الخلق أي يتعظ (الحكيم) أي ذو الحكمة (هو الذي لا تزيغ) بالتأنيث والتذكير أي لا تميل عن الحق (به) أي بإتباعه (الأهواء) أي الهواء إذا وافق هذا الهدى حفظ من الردى. وقيل: معناه لا يصير به مبتدعاً وضالاً، يعني لا يميل بسببه أهل الأهواء والآراء، وإنما زاغ من اتبع المتشابهات وترك المحكمات والأحاديث النبوية التي هي مبينة للمقاصد القرآنية. وقال الطيبي: أي لا يقدر أهل الأهواء على تبديله وتغييره وإمالته، وذلك إشارة إلى وقوع تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فالباء للتعدية. وقيل: الرواية من الإزاغة بمعنى الإمالة، والباء لتأكيد التعدية أي لا يميله الأهواء المضلة عن نهج الإستقامة إلى الأعوجاج وعدم الإقامة كفعل اليهود بالتوراة حين حرفوا الكلم عن مواضعه، لأنه تعالى تكفل بحفظه قال تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[الحجر: ٩](ولا تلتبس به الألسنة) أي لا تتعسر عليه ألسنة المؤمنين ولو كانوا من غير العرب قال تعالى: {فإنما يسرناه بلسانك}[الدخان: ٥٨]{ولقد يسرنا القرآن للذكر}[القمر:١٧] وقيل: لا يختلط به غير