ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا ينقضي عجائبه. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا:{إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به} من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)) . رواه الترمذي، والدارمي.
ــ
بحيث يشتبه الأمر ويلتبس الحق بالباطل فإن الله تعالى يحفظه أو يشتبه كلام الرب بكلام غيره لكونه كلاماً معصوماً دالاً على الإعجاز (ولا يشبع منه العلماء) أي لا يصلون إلى الإحاطة بكنهه حتى يقفوا عن طلبه وقوف من يشبع من مطعوم، بل كلما اطلعوا على شي من حقائقه اشتاقوا إلى آخر، أكثر من الأول، وهكذا فلا شبع ولا سآمة (ولا يخلق) بفتح الياء وضم اللام، وبضم الياء وكسر اللام من خلق الثوب إذا بلى وكذلك أخلق (عن كثرة الرد) أي لا تزول لذة قراءته وطراوة تلاوته واستماع أذكاره وأخباره من كثرة تكراره وترداده. قال القاري: و"عن" على بابها أي لا يصدر الخلق من كثرة تكراره كما هو شأن كلام غيره تعالى، وهذا أولى مما قاله ابن حجر من أن "عن" بمعنى "مع"- انتهى. قلت: قد وقع في بعض نسخ الترمذي "على" مكان "عن" وهو يؤيد ما قاله ابن حجر: (ولا ينقضي) بالتأنيث والتذكير (عجائبه) أي لا تنتهي لطائفة ودقائقه وغرائبه التي يتعجب منها. قيل: كالعطف التفسيري للقرينتين السابقتين ذكره الطيبي (هو الذي لم تنته الجن) أي لم يقفوا ولم يلبثوا (إذ سمعته) أي القرآن (حتى قالوا) أي لم يتوقفوا ولم يمكثوا وقت سماعهم له عنه بل اقبلوا عليه لما بهرهم من شأنه فبادروا إلى الإيمان على سبيل البداهة لحصول العلم الضروري وبالغوا في مدحه حتى قالوا (إنا سمعنا قرآناً عجباً) أي شأنه من حيثية جزالة المبني وغزارة المعنى (يهدي إلى الرشد) أي يدل على الصواب أو يهدي الله به الناس إلى طريق الحق (فآمنا به) أي بأنه من عند الله ويلزم منه الإيمان برسول الله (من قال به) أي من أخبر به (صدق) أي في خبره أو من قال قولاً ملتبساً به بأن يكون على قواعده ووفق قوانينه وضوابطه صدق (ومن عمل به) أي بما دل عليه (أجر) بضم الهمزة أي أثيب في عمله أجراً عظيماً وثواباً جسيماً، لأنه لا يحث إلا على مكارم الأخلاق والأعمال ومحاسن الآداب (ومن حكم به) أي بين الناس (عدل) أي في حكمه لأنه لا يكون إلا بالحق (ومن دعا إليه) أي من دعا الخلق إلى الإيمان به والعمل بموجبه (هدى إلى صراط مستقيم) روى مجهولاً أي من دعا الناس إلى القرآن وفق للهداية، وروى معروفاً كأن المعنى من دعا الناس إليه هداهم (رواه الترمذي والدارمي) من طريق حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث عن الحارث عن علي وأبوالمختار الطائي وابن أخي الحارث كلاهما