صوته، فكيف يحمل على كونه مستحقاً للوعيد وهو مثاب مأجور- انتهى. وقيل أي لم يترنم به وقيل أي لم يتحزن ويؤيده ما رواه أبويعلى والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن بريدة مرفوعاً إقرؤا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن. وقيل المراد بالتغني التلذذ والاستحلاء له كما يستلذ أهل الطرب بالغناء فاطلق عليه تغنياً من حيث أنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء قاله ابن الأنباري في الزاهر. وقيل: معناه التشاغل به تقول العرب تغني بالمكان أقام به ويؤيده بيت الأعشى:
وكنت أمرأ زمناً بالعراق خفيف المناخ طويل التغني
أي طويل الإقامة فيكون معنى الحديث الحث على ملازمة القرآن وأن لا يتعدى إلى غيره وقيل هو أن يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجيراه الغناء. قال ابن الأعرابي: كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى وإذا جلست في أفيتها، وفي أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم القراءة مكان التغني وقيل المراد من لم يغنه القرآن ولم ينفعه في إيمانه ولم يصدق بما فيه من وعد ووعيد وقيل معناه من لم يرتح لقراءته وسماعه وقيل المعنى من لم يطلب غنى النفس وهو الغنى المعنوي لا المحسوس الذي هو ضد الفقر وقيل معناه من لم يتطلب غنى اليد ولم يرجه بملازمة تلاوته. قال الحافظ بعد بسط الكلام في سرد هذه الأقوال التأويلات: وفي الجملة ما فسر به ابن عيينة ليس بمدفوع وإن كانت ظواهر الأخبار ترجح إن المراد تحسين الصوت، ويؤيده قوله يجهر به إلى آخر ما ذكرنا من كلامه في شرح الرواية الأولى. ثم قال الحافظ والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر هذه التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهراً به مترنماً على طريق التحزن مستغنياً به عن غيره من الأخبار طالباً به غنى النفس راجياً به غنى اليد، ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لأن للتطريب تأثيراً في رقة القلب وإجراء الدمع وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالإلحان إما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك، قال والذي يتحصل من الأدلة إن حسن الصوت بالقرآن مطلوب فإن لم يكن حسناً فليحسنه ما استطاع، كما قال ابن مليكة أحد رواة حديث سعد بن أبي وقاص. وقد أخرج ذلك عنه أبوداود بإسناد صحيح. ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم فإن الصوت الحسن يزداد حسناً بذلك وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات فإن خرج عنها لم يقف تحسين الصوت بقبح الأداء. ولعل هذا مستند من كرة القراءة بالأنغام لأن الغالب على من راعي الأنغام أن لا يراعي الأداء فإن وجد من يراعيهما معاً فلا شك أنه أرجح من غيره، لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت ويجتنب الممنوع من حرمة