الأداء والله أعلم- انتهى. وقال ابن القيم بعد ذكر الاختلاف في تفسير التغني بالقرآن: وفي مسألة تحسين الصوت به وقراءته بالإلحان، وذكر احتجاج كل فريق ما لفظه، وفصل النزاع أن يقال التطريب والتغني على وجهين. أحدهما ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين وتعليم بل إذا خلى وطبعه واسترسلت طبيعتة جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز، وإن أعان طبيعته فضل تزيين وتحسين كما قال أبوموسى للنبي - صلى الله عليه وسلم - وعلمت إنك تسمع لحبرته تحبيراً والحزين، ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوس تقلبه وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فهو مطبوع لا متطبع وكلف لا متكلف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به السامع والتالي وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها. والوجه الثاني ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس في الطبع السماحة به بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الإلحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بتعليم والتكلف فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويتبين الصواب من غيره، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم براء من القراءة بإلحان الموسيقية المتكلفة التي هي إيقاع وحركات موزونة معدودة محدودة، وإنهم اتقى لله من أن يقرؤا بها ويسوغوها ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤن بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن ويقرؤنه بشجي تارةً وبطرب تارةً وبشوق تارة، وهذا أمر في الطبائع تقاضيه ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطبائع له بل أرشد إليه وندب إليه وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به. وقال ليس منا من لم يتغن بالقرآن وفيه وجهان، أحدهما أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله، والثاني أنه نفي لهدى من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم- انتهى. (رواه البخاري) في باب قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به}[الملك: ١٣] من كتاب التوحيد. قال الحافظ في شرح هذا الحديث بعد ذكر الروايتين المتقدمتين: الحديث واحد إلا أن بعضهم رواه بلفظ: ما أذن الله، بعضهم رواه بلفظ ليس منا- انتهى. وروى بلفظ: ليس منا عن سعد بن أبي وقاص وأخرجه أحمد (ج١ص١٧٢- ١٧٥) وأبوداود وابن ماجه والدارمي وابن حبان (ج١ص٤٨٣) والحاكم (ج١ص٥٦٩ ٥٧٠) وغيرهم وعن أبي لبابة بن عبد المنذر أخرجه أبوداود من طريقه البيهقي (ج٢ص٥٤) وعن ابن عباس أخرجه الحاكم (ج١ص٥٧٠) والبزار والطبراني، قال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح، وعن عائشة أخرجه أبويعلى والبزار بسند ضعيف وعن ابن الزبير أخرجه البزار أيضاً.