قال: حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان)) متفق عليه.
٢٢١٨- (١٠) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي بن كعب:((
ــ
الأشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة- انتهى كلام الحافظ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك) أي يكفيك ما قرأته. قال الجزري: حسبك بمعنى أسكت وحقيقته كافيك (الآن) أي إذا وصلت إلى هذه الآية فلا تقرأ شيئاً آخر فإني مشغول بالتفكر في هذه الآية وجاءني البكاء والحالة المانعة من استماع القرآن. وفي رواية للبخاري أمسك وفي أخرى قال لي كف أو أمسك على الشك (فإذا عيناه تذرفان) بسكون الذال المعجمة وكسر الراء أي تطلقان دمعهما يعني تسيلان دمعاً، يقال ذرفت العين تذرف إذا جرى دمعها وهو خبر المبتدأ وهو عيناه "وإذا" للمفاجأة وهذا لفظ البخاري. ولمسلم فرأيت دموعه تسيل وبكاءه صلى الله عليه وسلم لفرط رحمته على المفرطين أو لعظم ما تضمنته الآية من هول المطع وشدة الأمر. وقال في فتوح الغيب عن الزمخشري: إن هذا كان بكاء فرح لا بكاء جزع لأنه تعالى جعل أمته شهداء على سائر الأمم كما قال الشاعر:
طفح السرور على حتى أنه من عظم ما قد سرني أبكاني
وقال ابن بطال إنما بكى - صلى الله عليه وسلم - عند تلاوة هذه الآية لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف وهو أمر يحق له طول البكاء- انتهى. قال الحافظ: والذي يظهر أنه أبكى رحمة لأمته لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعلمهم وعملهم قد لا يكون مستقيماً فقد يفضى إلى تعذيبهم- انتهى. وفي الحديث استحباب استماع القراءة والإصغاء إليها والبكاء عندها والتدبر فيها. قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين قال الله تعالى: {يخرون للأذقان يبكون}[الإسراء: ١٠٩]{خروا سجداً وبكيا}[مريم: ٥٨] والأحاديث فيه كثيرة قال: فإن عز عليه البكاء تباكى لخبر أحمد والبيهقي إن هذا القرآن نزل بحزن وكأبة فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا - الحديث. وقال الغزالي يستحب البكاء مع القراءة وعندها. وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وإنه من أعظم المصائب (متفق عليه) واللفظ للبخاري في باب قول المقري للقاري حسبك من فضائل القرآن إلا قوله "فإني أحب أن أسمعه من غيري" فإنه وقع عنده في رواية أخرى وإلا قوله وهو على المنبر فإنه لمسلم وحده. والحديث أخرجه أيضاً البخاري في التفسير وأحمد (ج١ص٣٧٤- ٣٨٠) والترمذي في التفسير وأبو داود في آخر العلم وابن ماجه في الزهد.
٢٢١٨- قوله:(قال لأبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي النجاري الصحابي الجليل رضي الله عنه