فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتينها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله اقرأ، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت ثم قال لي اقرأ، فقرأت. فقال: هكذا أنزلت.
ــ
لظنه أن هشاماً خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال له أرسله (فجئت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في رواية عقيل فلببته برداءه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال إقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت كذبت، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: قوله: "كذبت" فيه إطلاق ذلك على غلبة الظن أو المراد بقوله: "كذبت أي أخطأت لأن أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، وقوله: "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها" إلخ. هذا قاله عمر استدلالاً على ما ذهب إليه من تخطئه هشام. وإنما ساغ له ذلك لرسوخ قدمه في الإسلام وسابقته بخلاف هشام فإنه كان قريب العهد بالإسلام فخشى عمر أن لا يكون أتقن القراءة بخلاف نفسه فإنه قد كان أتقن ما سمع وكأن سبب اختلاف قراءتهما إن عمر حفظ هذه السورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قديماً ثم لم يسمح ما نزل فيها بخلاف ما حفظه وشاهده، ولأن هشاماً من مسلمة الفتح فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه على ما نزل أخيراً فنشأ اختلافهما من ذلك ومبادرة عمر للإنكار محمولة على أنه لم يكن سمع حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إلا في هذه الواقعة (أرسله) بهمزة قطع وهو خطاب لعمر أي أطلق هشاماً لأنه كان ممسوكاً بيده، وإنما أمره بإرسال قبل أن يقرأ لتسكن نفسه ويثبت جاشه ويتمكن من إيراد القراءة التي قرأ لئلا يدركه من الانزعاج ما يمنعه من ذلك قاله الباجي: قال القاري: وإنما سومح عمر في فعله لأنه ما فعل لحظ نفسه بل غضباً لله بناء على ظنه (اقرأ) يا هشام (فقرأ) أي هشام (القراءة التي سمعته) أي سمعت هشاماً إياها على حذف المفعول الثاني قاله القاري (يقرأ) أي يقرؤها (هكذا أنزلت) أي السورة وهذا تصويب منه - صلى الله عليه وسلم - لقراءة هشام (ثم قال لي إقرأ) أنت يا عمر أمره بالقراءة لأنه يحتمل أن يكون الخطأ والتغيير من جهته (فقرأت) وفي رواية فقرأتها وفي رواية عقيل فقرأت القراءة التي أقرأني (فقال هكذا أنزلت) قال الزرقاني: لم يقع في شي من الطرق تفسير الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان. نعم اختلف الصحابة فمن دونهم في أحرف كثيرة من هذه السورة كما بينه ابن عبد البر في التمهيد بما يطول. وقال الحافظ: لم أقف في شيء من طرق حديث عمر على تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان وقد تتبع أبوعمر ابن عبد البر ما اختلف