فلما رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشبني، ضرب في صدري، ففضت عرقاً، وكأنما أنظر إلى الله فرقاً، فقال لي: يا أبي: أرسل إلى: أن أقرأ القرآن على حرف. فرددت إليه: أن هون على
أمتي،
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم بيده في صدره ففاض عرقاً- انتهى. وقال الطيبي: يعني وقع في خاطري من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لتحسينه بشأنهما تكذيباً أكثر من تكذيبي إياه قبل الإسلام لأنه كان قبل الإسلام غافلاً أو مشككاً. وإنما استعظم هذه الحالة لأن الشك الذي داخله في أمر الدين إنما ورد على مورد اليقين. وقيل: فاعل سقط محذوف أي وقع في نفسي من التكذيب ما لم أقدر على وصفه ولم أعهد بمثله ولا وجدت مثله إذ كنت في الجاهلية وكان أبي من أكابر الصحابة وكان ما وقع له نزغة من نزغات الشيطان، فلما ناله بركة يد النبي صلى الله عليه وسلم زال عنه الغفلة والإنكار وصار في مقام الحضور والمشاهدة-انتهى. قلت: وفي رواية عند أحمد ما تخلج في نفسي من الإسلام ما تخلج يومئذ، وفي أخرى ما حك في صدري شيء منذ أسلمت إلا إني قرأت آية وقرأها رجل آخر غير قراءتي-الحديث. وفي رواية عند الطبري فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى أحمر وجهي فضرب في صدري فقال اللهم اخسأ عنه الشيطان (فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني) أي اعترافي وحصل لي من وسوسة الشيطان ونزغته (ضرب في صدري) قال القاضي: ضربه صلى الله عليه وسلم في صدره تثبيتاً له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم (ففضت) بكسر الفاء الثانية وسكون الضاد المعجمة (عرقاً) بالتحريك تمييز أي فجري وسأل عرقي من جميع بدني من فاض الماء يفيض فيضاً إذا كثر حتى سأل وهذا أبلغ من فاض عرقي، فإن في الأول إشارة إلى أن العرق فاض منه حتى كأن النفس فاضت منه، ومثله قول القائل سألت عيني دمعاً (وكأنما أنظر إلى الله فوقاً) أي خوفاً. قيل: تمييز والأظهر إن نصبه على المفعول له قاله القاري. قال التوربشتي. الفرق بالتحريك الخوف أي أصابني من خشية الله والهيبة فيما قد غشيني ما أوقفني موقف الناظر إلى الله إجلالاً وحياء. وقال الطيبي: كان أبي رضي الله عنه من أفضل الصحابة ومن الموقنين وإنما طرأ عليه ذلك التلويث بسبب الاختلاف نزغة من الشيطان، فلما أصابته بركة ضربه صلى الله عليه وسلم بيده على صدره ذهبت تلك الهاجسة وخرجت مع العرق فرجع إلى اليقين، فنظر إلى الله تعالى خوفاً وخجلاً مما غشيه من الشيطان (فقال لي) أي تسكيناً وتبييناً (أرسل إلى) على بناء المجهول أي أرسل الله جبريل، وفي بعض النسخ من المشكاة على بناء المعلوم أي أرسل الله إلى قاله القاري قلت: وعند أحمد إن ربي تبارك وتعالى أرسل إلى (أن أقرأ القرآن) بلفظ الأمر أو المتكلم المعلوم. قال الطيبي:"إن" مفسرة وجوز كونها مصدرية على مذهب سيبويه وإن كانت داخلة على الأمر (فرددت إليه) أي جبريل إلى الله تعالى (أن هون) أي سهل ويسر. قال