وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قال: قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال! هو والله خير. فلم يزل أبوبكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف
ــ
أدخل عليه التهمة وظنه به، والتهمة بفتح الهاء وسكونها اسم من الاتهام وما يتهم عليه، وأشار به إلى عدم كذبه وإنه صدوق (وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ: ذكر له أربع صفات مقتضية خصوصيته بذلك كونه شاباً فيكون أنشط لما يطلب منه، وكونه عاقلاً فيكون أوعى له، وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه، وكونه كان يكتب الوحي فكون أكثر ممارسة له، وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة. (فتتبع القرآن) أمر من باب التفعل (فأجمعه) بصيغة الأمر أي جمعاً كلياً في مصحف واحد، وقد كان القرآن كله كتب في العهد النبوي لكن غير مجموع في موضع واحد. (فو الله) أي قال زيد فو الله (لو كلفوني) أي أبوبكر وعمر ومن تبعهما أو بناء على أن أقل الجمع اثنان، أو المراد به أبوبكر والجمع للتعظيم (نقل جبل من الجبال ما كان) نقله (أثقل علي مما أمرني به) قال الحافظ: كأنه جمع أولاً باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر وحده بذلك، ووقع في رواية لو كلفني بالإفراد أيضاً. وإنما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشية من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه لكن الله تعالى يسر له ذلك. (قال) أي زيد (قلت) لهم (كيف تفعلون) وفي رواية كيف تفعلان (فلم يزل أبوبكر يراجعني) أي يذكر أبوبكر السبب وأنا أدفعه (فتتبعت القرآن أجمعه) حال من الفاعل أو المفعول أي حال كوني اجمعه وقت التتبع من الأشياء التي عندي وعند غيري (من العسب) بضم المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض وقيل: العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي ينبت عليه الخوص هو السعف، ووقع في رواية ابن عيينة عن الزهري القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل، والكرانيف جمع كرناف، وهي أصول سعف النخل تبقى في الجذع بعد قطع السعف من النخلة، ووقع في رواية للبخاري من الرقاع والأكتاف، والرقاع بكسر الراء جمع رقعة، وقد يكون من جلد أو ورق أو كاغذ، والأكتاف جمع كتف وهو العظم العريض الذي يكون في أصل كتف الحيوان كانوا إذا جف كتبوا فيه، وفي رواية وقطع الأديم، وفي رواية ابن أبي داود والصحف (واللخاف) بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وأخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وهي الحجر الأبيض الرقيق. وقيل: الخزف. وقال