قال: فقال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد قال أبوبكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك،
ــ
فلا ينافي ذلك، لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة. وقد كان القرآن كله كتب في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور. وأما ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن سيرين قال قال علي: لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آليت أن لا أخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعه فإسناده ضعيف لانقطاعه وعلى تقدير أن يكون محفوظاً، فمراده بجمعه حفظه في صدره قال، والذي وقع في بعض طرقه حتى جمعته بين اللوحين وهم من رواته. وقال الحافظ: ورواية عبد خير يعني التي تقدمت آنفاً أصح فهو المعتمد ووقع عند ابن أبي داود أيضاً بيان السبب في إشارة عمر بن الخطاب بذلك فأخرج من طريق الحسن إن عمر سأل عن آية من كتاب الله قيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة فقال إنا لله وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف، وهذا منقطع فإن كان محفوظاً حمل على أن المراد بقوله، فكان أول من جمعه أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر فنسب الجمع إليه لذلك – انتهى. (هذا) أي جمع القرآن في مصحف واحد (خير) من تركه فإن قلت كيف ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو خير؟ قلت هذا خير في هذا الزمان وتركه كان خيراً في زمانه - صلى الله عليه وسلم - لعدم تمام النزول واحتمال النسخ كما تقدم الإشارة إليه (فلم يزل عمر يراجعني) في ذلك أي في جمع القرآن (حتى شرح الله صدري لذلك) الذي شرح له صدر عمر (ورأيت في ذلك الذي رأى عمر) اذهوا من النصح لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين وإذن فيه عليه الصلاة والسلام بقوله في حديث أبي سعيد عند مسلم لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، وقد أعلم الله في القرآن بأنه مجموع في الصحف في قوله {يتلوا صحفاً مطهرة} الآية [البينة: ٢] وكان القرآن مكتوباً في الصحف لكن كانت مفرقة فجمعها أبوبكر في مكان واحد، فغاية ما فعله أبوبكر جمع ما كان مكتوباً قبل في مصحف، فلا يتوجه اعتراض الرافضة على الصديق. قال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن: كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقا في الرقاع وإلاكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعاً وكان ذلك بمنزلة أوراق. وجدت في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها القرآن منتشراً فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شي كذا في الإتقان (ج١ص٥٨)(قال زيد) أي ابن ثابت (قال أبوبكر) أي لي بعد أن ذكر الأمر الذي هو توطئة للأمر بالجمع (إنك رجل شاب) أشار إلى نشاطه وقوته وضبطه وإتقانه وحدة نظره وبعده عن النسيان، وإنما قال شاب لأن عمره كان حينئذ ما دون خمس وعشرين سنة، وهي أيام الشاب (عاقل) تعني المراد أشار به إلى غزارة علمه وشدة تحقيقه (لا نتهمك) بتشديد التاء أي لا ندخل عليك التهمة لعدالتك في شي مما تنقله، يقال إتهمه بكذا كافتعله