للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسئلته إنه يفعل ما يشاء، ولا مكره له)) .

ــ

حمل النهي على التحريم وهو الظاهر. وحمل النووي النهي في ذلك على كراهة التنزيه وهو أولى يؤيده حديث الاستخارة. قال وقال الداودي: لا يقل إن شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير. قلت: وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا للاستثناء لا يكره وهو جيد – انتهى. (ارحمني إن شئت ارزقني إن شئت) أي ونحو ذلك فالمذكور كله أمثلة (وليعزم) بكسر الزاء (مسئلته) أي ليطلب جازماً من غير شك وتردد، والمراد بالمسألة الدعاء. وقد وقع في رواية لأحمد ومسلم الدعاء، يقال عزم الأمر وعليه عقد ضميره على فعله وصمم عليه وعزم الرجل جدّ في الأمر. قال الجزري: عزمت على الأمر إذا عقدت قلبك عليه وجددت في فعله، والعزم الجد والقطع، على فعل الشيء ونفي التردد عنه، والمعنى لا تكن في دعائك متردداً بل أجزم المسألة – انتهى. وقال غيره: عزم المسألة الشدة في طلبها، والجزم بها من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها، يعني هو أن يجزم بوقوع مطلوبة ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى. وقيل هو حسن الظن بالله تعالى في الإجابة. وقال الداودي: ليعزم المسألة أي يجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير. قلت: وأخرج الطبراني في الدعاء قال الحافظ: بسند رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة بقية عن عائشة مرفوعاً (إن الله يحب الملحين في الدعاء) قال ابن بطال: في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعوا كريماً: وقال ابن عيينة: لا يمنعن أحداً الدعاء ما يعلم في نفسه يعني من التقصير فإن الله تعالى قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال {رب أنظرني إلى يوم يبعثون} [الأعراف: ١٤] (إنه يفعل ما يشاء) استئناف فيه معنى التعليل، وفي رواية لمسلم فإن الله صانع ما شاء (ولا مكره) بكسر الراء وفي حديث أنس عند الشيخين لا مستكره من الاستكراه، وهما بمعنى وقوله "ولا مكره" كذا وقع في أكثر النسخ بذكر العاطف، وفي بعضها لا مكره أي بحذفه، وهكذا في البخاري وكذا في المصابيح وجامع الأصول (له) أي لله على الفعل أو لا يقدر أحد أن يكرهه على فعل أمر أراد تركه ولا حكم لأحد عليه بل يفعل ما يشاء فلا معنى لقوله "إن شئت" لأنه أمر معلوم من الدين بالضرورة فلا حاجة إلى التقييد به مع أنه موهم لعدم الاعتناء بوقوع ذلك الفعل أو لاستعظامه على الفاعل على المتعارف بين الناس. وقال الحافظ: المراد أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتي إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه. وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة. وقيل: المعنى أي سبب المنع إن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه والأول أولى – انتهى. وقد تقدم إن للدعاء شروطاً وآداباً كثيرة، وقد ذكر في هذا الحديث ما هو من أهم آدابه وأفرده بالذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>