إذا ذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ. ذكرته
ــ
للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل المعية العامة، وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الإكرام له والتفضل عليه ومن هذه المعية الخاصة ما ورد في الكتاب العزيز من كونه مع الصابرين وكونه مع الذين اتقوا فلا منافاة بين إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة (إذا ذكرني) بلسانه أو قلبه أو بهما (فإن ذكرني) تفريع يفيد أنه تعالى مع الذاكر سواء ذكره في نفسه أو مع غيره (في نفسه) أي سراً وخفية وهو يحتمل أن يكون ذكراً قلبياً أو لسانياً إخفائياً، أي ذكراً شفاهياً على جهة السر دون الجهر، قال الشوكاني: ويدل على هذا الاحتمال الثاني قوله وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه فإنه يدل على أن العبد قد جهر بذكره سبحانه وتعالى بين ذلك الملأ الذي هو فيهم فيقابله الأسرار بالذكر باللسان لا مجرد الذكر القلبي فإنه لا يقابل الذكر الجهري بل يقابل مطلق الذكر اللساني أعم من يكون سراً أو جهراً (ذكرته في نفسي) أي في ذاتي من غير إطلاع أحد من مخلوقاتي أو المراد في غيبي أي إذا ذكرني خالياً أثبته وجازيته عما عمل بما لا يطلع عليه أحد وفيه جواز إطلاق النفس على الله تعالى باعتبار معنى الذات خلافاً لمن منع وحمله على المشاكلة كما في قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك}[المائدة: ١١٦] لكن يرد عليه قوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه}[آل عمران: ٢٨] وقوله صلى الله عليه وسلم (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) . قال الحافظ: أي إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سراً ذكرته بالثواب والرحمة سراً. وقال التوربشتي: الذكر من الله تعالى هو حسن قبوله والمجازاة له بالحسنى، فالمراد من قوله هذا إن العبد إذا ذكره في السر آتاه الله ثواب ذلك سراً على منوال عمله أي ويتولى بنفسه إثابته لا يكله إلى غيره. فإن قيل قد عرفنا فائدة الذكر الخفي من العبد وذلك أنه يكون من الآفات الداخلة على الأعمال بمعزل، ومن الإخلاص بمكان فما فائدة ذكر الله تعالى عبده في الغيب؟ قلنا الاصطفاء والاستئثار فإن الله تعالى إنما يدع علم الشيء بمكان من الغيب استئثاراً به واصطفاء له وفيه أيضاً صيانة سر العبد عن إطلاع الملأ الأعلى عليه وتوقي عمله عن إحاطة علم الخلق بكنه ثوابه، وفيه أيضاً تنبيه على كون العبد من الله بمكان تكّنه الغيرة عن الأغيار (وإن ذكرني في ملأ) بفتح الميم واللام مهموز أي مع جماعة من المؤمنين أو في حضرتهم. قال الجزري: الملأ أشراف الناس ورؤساؤهم ومقدموهم الذين يرجع إلى أقوالهم. وفيه دليل على جواز الذكر بالجهر. واختلفوا في ذلك فمنهم من منعه مطلقاً، ومنهم من جوزه مطلقاً، ومنهم من فصل كصاحب الفتاوى الخيرية، فقال إن كان الجهر مفرطاً منع عنه وإلا جاز، نعم السر أفضل من الجهر لكنه أمر آخر وهذا هو المعتمد عند محققي الحنفية (ذكرته) قال الشوكاني: معناه إن الله يجعل ثواب ذلك الذكر بمرأى ومسمع من ملائكته أو يذكره عندهم بما يعظم به شأنه ويرتفع به مكانه ولا مانع من أن يجمع بين الأمرين. وقيل: المراد منه مجازاة العبد بأحسن مما ...