للعبد أن يفارقه فيها أوقات الشدائد والمحن، وحلول المصائب في الأهل والمال والبدن لئلا يقع بعدم ذلك في الجزع والسخط. وقيل: الظن تغليب أحد المجوزين بسبب يقتضي التغليب فلو خلا عن السبب المغلب لم يكن ظناً بل عرة وتمنياً، والمعنى المشهور أنا له كما يظن بي فإن ظن إني أصنع به خيراً صنعت به خيراً، وإن ظن إني أصنع به شراً صنعت به شراً. ويشكل على هذا نصوص كثيرة كقوله تعالى:{يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا}[الأعراف: ١٦٩] وقوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}[الزمر: ٤٧] وفي الحديث "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من اتبع نفسه هواه وتمنى على الله الأماني" وقد ورد في الأمن من مكر الله وقد جاءت نصوص كثيرة في مدح الخشية من الله عزوجل والخوف منه، وجاء عن أكابر الصحابة وخيار التابعين آثار كثيرة في شدة خوفهم، فمنهم من تمنى إن أمه لم تلده وإن كان شجرة تعضد، والقاعدة في هذا إن المحمود أن يكون العبد بين الخوف والرجاء ولا يبلغ به الخوف أن ييأس من رحمة الله عزوجل ولا يبلغ به الرجاء أن يأمن من مكره، وعلامة ذلك أن يكون دائباً في عمل الخير واجتناب الشر فإن من أيس من رحمة الله فلا يبعد أن يدع ذلك قائلا أنا معذب في الآخرة لا محالة لكثرة ذنوبي فلماذا امنع نفسي هواها فأعذبها في الدنيا بترك شهواتها؟ ومن أمن مكر الله تعالى قال إنه ناج لا محالة فلا يضره أن يتبع نفسه هواها ولم يخلق الله شيئاً إلا للبشر ويقرأ {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}[الأعراف: ٣٢] وينسى إن قليلة يدعوا إلى كثيرة والاسترسال إلى الحلال الكثير يعسر عليه الاجتناب من الحرام فيغلب فيجترىء على ما لم يكن له أن يجترىء عليه ويقول إنا مؤمن وكل مؤمن حبيب الله ومن شأن المحبوب أن لا يمنع محبة ما تهواه نفسه ولا يكلفه ما يشق عليه وأشباه ذلك. وقد أجيب بأن الحديث خاص بحال لاحتضار فالمؤمن المحسن يبدو له من مبشرات تضطره إلى ظن الخير، وإن كان قبل ذلك من أشد الخائفين وغيره يبدو له من المنذرات ما يضطره إلى ظن سوء مصيره، وإن كان قبل ذلك آمناً من مكر الله وهذا كما حمل حديث إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وفيه إن لفظ الحديث عام فالتخصيص بلا دليل لا يجوز، وقد يقال أن المراد بالعبد المؤمن الصالح كما تشعر الإضافة في قوله عبدي فهو الذي يكون الله عزوجل عند ظنه به إذ لا يظن به إلا الخير والحق وهو أهل أن لا يخيب رجاءه كما جاء في من لو أقسم على الله لأبره والله اعلم كذا في شرح الأدب المفرد (وأنا معه) أي عوناً ونصراً وتائيداً وتوفيقاً وتحصيلاً لمرامه وهو كقوله تعالى: {إنني معكما أسمع وأرى}[طه: ٤٦] وهي معية خصوصية أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية والإعانة فهي أخص من المعية التي في قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم}[الحديد: ٤] وقوله {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم}[المجادلة: ٧] فإن معناها المعية بالعلم والإحاطة. قال الشوكاني: هذه معية عامة وتلك معية خاصة حاصلة