وهرم وفاقة وزمانة وشدة بلاء يهون على العبد مفارقة الدنيا، ويقطع عنها علاقته حتى إذا أيس عنها تحقق رجاءه بما عند الله فاشتاق إلى دار الكرامة فأخذه المؤمن عما تشبث به من حب الحياة شيئاً فشيئاً بالأسباب التي أشرنا إليها يضاهي، ويشبه فعل المتردد من حيث الصنعة فشبه، بفعل المتردد وأدخل في أفراده مبالغة وعبر عنه بالتردد ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المخبر عن الله وعن صفاته وأفعاله بأمور غير معهودة لا يكاد السامع يعرفها على ما هي عليه إذن له أن يعبر عنها بألفاظ مستعملة في أمور معهودة تعريفاً للأمة، وتوقيفاً لهم بالمجاز على الحقيقة، وتقريباً لما ينأى عن الإفهام، وتقريراً لما يضيق عن الإفصاح به نطاق البيان وذلك بعد أن عرفهم ما يجوز على الله وما لا يجوز قاله التوربشتي. وقال الخطابي: التردد في حق الله غير جائز والبذاء عليه في الأمور غير سائغ ولكن له تأويلان. أحدهما: إن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقة تنزل به فيدعوا الله فيشفيه. منها: ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمراً ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه، ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه. والثاني: أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن، كما روي في قصة موسى عليه السلام، وما كان من لطمة عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى. قال: وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه وعبر ابن الجوزي عن الثاني، بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح، وأضاف الحق ذلك لنفسه لأن ترددهم عن أمره قال: وهذا التردد ينشأ عن إظهار كرامة المؤمن على ربه، فإن قيل: إذا أمر الملك بالقبض كيف يقع منه التردد، فالجواب من وجوه. منها: إن معنى التردد اللطف به كأن الملك يؤخر القبض فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لأهل الدنيا احترمه فلم يبسط يده إليه فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بدأ من امتثاله. ومنها: إن الملك يتردد فيما لم يحد له فيه الوقت كان يقال لا تقبض روحه إلا إذا رضي. وقيل معنى الحديث ما أخرت وما توقفت توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن أتوقف فيه وأريد ما أعددت له من النعيم والكرامات حتى يسهل عليه ويميل قلبه إليه شوقاً إلى أن ينخرط في سلك المقربين ويتبوأ في أعلى عليين قاله القاضي. وقيل هذا خطاب لنا بما نعقل والمقصود تفهيمنا تحقيق المحبة للولي والدلالة على شرفه ورفعة منزلته حتى لو تأتي أنه تعالى لا يذيقه الموت الذي حتمه على عباده لفعل، ولهذا المعنى ورد لفظ التردد كما إن العبد إذا كان له أمر لا بد له أن يفعله بحبيبه لكنه يؤلمه، فإن نظر إلى ألمه أنكف عن الفعل وإن نظر إلى أنه لا بد له منه أن يفعله لمنفعته أقدم عليه فيعبر عن هذه الحالة في قلبه بالتردد فخاطب الله الخلق بذلك على حسب ما يعرفون، ودلهم به على شرف الولي عنده ورفعة درجته. وقيل المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج بخلاف سائر