وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن.
ــ
واحتجوا بمجيء جبريل في صورة دحية قالوا: فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا: فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفي من الكدورات أنه يصير في معنى الحق تعالى الله عن ذلك، وأنه يفنى عن نفسه جملة حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه المحب لنفسه وأن هذه الأسباب والرسوم تصير عدماً صرفاً في شهودة وإن لم تعدم في الخارج وعلى الأوجه كلها فلا متمسك فيه للاتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث، ولئن سألني ولئن استعاذني فإنه كالصريح في الرد عليهم كذا في الفتح. (وإن سألني لأعطيته) أي ما سأل وهو بفتح اللام وضم الهمزة ونون التأكيد الثقيلة (ولئن استعاذني) بنون الوقاية، وفي بعض النسخ بالموحدة وهو أظهر معنى، والأول أشهر رواية قاله في اللمعات وقال الحافظ: ضبطناه بوجهين الأشهر، بالنون بعد الذال المعجمة، والثاني بالموحدة. (لأعيذنه) أي مما يخاف وقد استشكل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا، والجواب إن الإجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعينه على الفوز، وتارة يقع لكن يتأخر لحكمة فيه، وتارة قد يقع الإجابة ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها. وقد تمسك بهذا الحديث بعض الجهلة من أهل التجلي والرياضة فقالوا: القلب إذا كان محفوظاً مع الله كانت خواطره معصومة من الخطأ، وتعقب ذلك أهل التحقيق من أهل الطريق فقالوا: لا يلتفت إلى شيء من ذلك إلا إذا وافق الكتاب والسنة، والعصمة إنما هي للأنبياء ومن عداهم فقد يخطىء فقد كان عمر رضي الله عنه رأس الملهمين، ومع ذلك فكان ربما رأى الرأي فيخبره بعض الصحابة بخلافه فيرجع إليه ويترك رأيه، فمن ظن أنه يكتفي بما يقع في خاطره عما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ارتكب أعظم الخطأ. وفي الحديث إن من أتى بما وجب عليه وتقرب بالنوافل لم يرد دعاءه لوجود هذا الوعد الصادق المؤكد بالقسم وقد تقدم الجواب عما يتخلف من ذلك (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن) وفي حديث عائشة ترددي عن موته ووقع في الحلية في ترجمة وهب بن منبه إني لأجد في كتب الأنبياء إن الله تعالى يقول (ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن) فإن قيل التردد هو التخير بين أمرين لا يدري أيهما أصلح وهو محال على الله تعالى. أجيب بأن المراد من لفظاً التردد في هذا الحديث إزالة كراهة الموت من العبد المؤمن بلطائف يحدثها الله له ويظهرها حتى تذهب الكراهة التي في نفسه بما يتحقق عنده من البشرى برضوان الله وكرامته، وهذه الحالة يتقدمها أحوال كثيرة من مرض