قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم ههنا؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك. قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه آتاني جبرئيل فأخبرني أن الله عزوجل يباهي بكم الملائكة)) .
ــ
مسلم الموجودة عندنا قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، وهكذا وقع في بعض نسخ الترمذي:(قال) أي معاوية (أما) بالتخفيف للتنبيه (إني) بكسر الهمزة (لم أستحلفكم تهمة لكم) بضم أوله وسكون الهاء وتفتح. قال في النهاية: التهمة وقد تفتح الهاء فعلة من الوهم، والتاء بدل من الواو أتهمته ظننت فيه ما نسب إليه أي ما أستحلفكم تهمة لكم بالكذب ولكني أردت المتابعة والمشابهة فيما وقع له صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، وقدم بيان قربه منه عليه الصلاة والسلام وقلة نقله من أحاديثه دفعاً لتهمة الكذب عن نفسه فيما ينقله فقال. (وما كان أحد بمنزلتي) أي بمنزلة قربي (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) لكونه محرماً لأم حبيبة أخته من أمهات المؤمنين ولكونه من إجلاء كتبة الوحي (أقل) خبر كان (عنه) أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا مني) أي لاحتياطي في الحديث وإلا كان مقتضى منزلته أن يكون كثير الرواية (ومن) فعل ماض من المن من باب نصر أي أنعم (به) أي بالإسلام (علينا) أي من بين الأنام كما حكى الله تعالى عن مقول أهل دار السلام {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}[الأعراف: ٤٣](قال آلله ما أجلسكم إلا ذلك) لعله أراد به الإخلاص (قال أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم) لأنه خلاف حسن الظن بالمؤمنين (ولكنه) أي الشأن (إن الله عزوجل يباهي بكم الملائكة) أي فأردت أن أحقق بماذا كانت المباهاة فللاهتمام بتحقيق ذلك الأمر الإشعار بتعظيمه أستحلفكم. قال النووي: قوله "إن الله يباهي بكم الملائكة" معناه يظهر فضلكم لهم ويريهم حسن عملكم ويثنى عليكم عندهم، وأصل البهاء الحسن والجمال، وفلان يباهي بماله وأهله أي يفتخر ويتجمل بهم على غيرهم ويظهر حسنهم – انتهى. وقيل: معنى المباهاة بهم إن الله تعالى يقول لملائكته أنظروا إلى عبيدي هؤلاء كيف سلطت عليهم نفوسهم وشهواتهم وأهويتهم والشيطان وجنوده ومع ذلك قويت همتهم على مخالفة هذه الدواعي القوية إلى البطالة وترك العبادة والذكر فاستحقوا أن يمدحوا أكثر منكم، لأنكم لا تجدون للعبادة مشقة بوجه، وإنما هي منكم كالتنفس منهم ففيها غاية الراحة والملائمة للنفس. قال الطيبي: أي فأردت أن أتحقق