في الميزان لعظم لفظهما قدراً عند الله. وقال الطيبي: الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات، ولا يشق عليه فحذف ذكر المشبه به وأبقى شيئاً من لوازمه وهو الخفة. وأما الثقل فعلى حقيقته عند أهل السنة لأن الأعمال تتجسم عند الميزان، والميزان هو الذي يوزن به في القيامة أعمال العباد وفي كيفيته أقوال، والأصح إنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين والله تعالى يجعل الأعمال كالأعيان موزونة. وقيل توزن صحائف الأعمال، وأما الأعمال فإنها أعراض والأعراض يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها فلا توصف بثقل ولا خفة ويقويه حديث البطاقة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه. وفيه فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة – انتهى. وقيل: تجعل الأعمال في أجسام فتصير أعمال الطائعين في صورة حسنة وأعمال المسيئين في صورة قبيحة، ثم توزن. قال الحافظ: والصحيح إن الأعمال هي التي توزن، وقد أخرج أبوداود والترمذي وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعاً ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن. قلت القول باستحالة وزن الأعمال معللاً بأنها لا تقوم بأنفسها بل تفنى سخيف جداً بل هو باطل قد أبطله أصحاب العلوم الطبيعية اليوم، وحققوا أن الأقوال لا تفنى بل تكون باقية في الخلاء يمكن اختطافها وهم بصدد اختراع آلات ميكانية يسهل بها القبض عليها. وفي الحديث إشارة إلى أن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفوس ثقيلة وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان فلا ينبغي التفريط فيه. وقد روي في الآثار أن عيسى عليه السلام سأل ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخف، فقال لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت سرارتها فلذلك خفت عليكم فلا يحملنك على فعلها خفتها فإن بذلك تخف الموازين يوم القيامة (حبيبتان إلى الرحمن) كذا وقع بتقديم خفيفتان وتأخير حبيبتان عند البخاري في الدعوات وفي الإيمان والنذور، وكذا عند أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان. ووقع في التوحيد عند البخاري بتقديم حبيبتان وتأخير ثقيلتان، وهي تثنية حبيبة بمعنى محبوبة، لأن فيهما المدح بالصفات السلبية التي يدل عليها التنزيه وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد، وقال السندي: معنى "حبيبتان إلى الرحمن" إنهما موصوفتان بكثرة المحبوبية عنده تعالى تفيده الأحاديث الأخر مثل أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وإلا جميع الذكر محبوب عنده تعالى. وقيل: المراد محبوبية قائلهما ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم وخص الرحمن من الأسماء الحسنى، لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل ويجوز أن يقال اختصاص ذلك لإقامة السحج أعنى الفواصل وهي من محسنات الكلام على ما عرف في علم البديع، وإنما نهي عن السجع ما كان متكلفاً أو متضمناً لباطل كسجع الكهان لا ما جاء عن غير قصد أو تضمن حقاً. قال الكرماني: فإن قيل فعيل بمعنى مفعول