للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..............................................................................................

ــ

ذلك اشتغالاً بذكره وشكره ومحبةٍ أخرى لم تكن حاصلة له قبل ذلك، فإن محبتك لمن شكرك على إحسانك وجازاك به ثم غفر لك إساءتك ولم يؤاخذك بها أضعاف محبتك على شكر الإحسان وحده والواقع شاهد بذلك، فعبودية التوبة بعد الذنب لون (وهذا لون) آخر يعني إن عبودية التوبة بعد الذنب لون، وهذا الذي ذكره أخيرًا من معرفة العبد كرم ربه إلخ لون آخر ومنها: أن يشهد فضله في مغفرته فإن المغفرة فضل من الله، وإلا فلو وأخذ بالذنب لو أخذ يمحض حقه وكان عادلاً محمودًا. وإنما عفوه بفضله لا باستحقاقك فيوجب لك ذلك أيضًا شكرًا له ومحبة وإنابة إليه وفرحًا وابتهاجًا به ومعرفة له باسمه الغفار، ومشاهدة لهذه الصفة، وتعبدًا بمقتضاها وذلك أكمل في العبودية والمحبة والمعرفة. ومنها: أن يكمل لعبده مراتب الذل والخضوع والانكسار بين يديه والافتقار إليه، فإن النفس فيها مضاها الربوبية لو قدرت لقالت كقول فرعون ولكنه قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر، وإنما يخلصها من هذه المضاهاة ذل العبودية وهو أربع مراتب. المرتبة الأولى: مشتركة بين الخلق وهي ذل الحاجة والفقر إلى لله فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه فقراء إليه، وهو وحده الغني عنهم وكل أهل السماوات والأرض يسألونه وهو لا يسأل أحدًا. المرتبة الثانية: ذل الطاعة والعبودية، وهو ذل الاختيار، وهذا خاص بأهل طاعته وهو سر العبودية. المرتبة الثالثة ذل المحبة، فإن المحب ذليل بالذات لمحبوبه وعلى قدر محبته له يكون ذله، فالمحبة أسست على الذلة للمحبوب كما قيل:

أخضع وذل لمن تحب فليس في ... حكم الهوى أنف يسأل ويعقد

وقال آخر:

مساكين أهل الحب حتى قبورهم ... عليها تراب الذل بين المقابر

المرتبة الرابعة: ذل المعصية والجناية، فإذا اجتمعت هذه المراتب الأربع كان الذل لله والخضوع له أكمل وأتم، إذ يذل له خوفًا وخشية ومحبة وإنابة وإطاعة وفقرًا وفاقة، وحقيقة ذلك هو الفقر الذي يشير إليه القوم، وهذا المعنى أجلّ من أن يسمى بالفقر بل هو لب العبودية وسرها وحصوله أنفع شيء للعبد، وأحب شيء إلى الله فلا بد من تقدير لوازمه من أسباب الضعف والحاجة، وأسباب العبودية والطاعة، وأسباب المحبة والإنابة، وأسباب المعصية والمخالفة إذ وجود الملزوم بدون لازمه ممتنع، والغاية من تقدير عدم هذا الملزوم ولازمه مصلحة وجوده خير من مصلحة فوته ومفسدة فوته أكبر من مفسدة وجوده، والحكمة مبناها على دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وقد فتح لك الباب، فإن كنت من أهل المعرفة فادخل وإلا فرد الباب وارجع بسلام. ومنها: إن أسماءه الحسنى تقتضي آثارها اقتضاء الأسباب التامة لمسبباتها

<<  <  ج: ص:  >  >>