للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..............................................................................................

ــ

فاسم السميع البصير يقتضي مسموعًا ومبصرًا. واسم الرزاق يقتضي مرزوقًا، واسم الرحيم يقتضي مرحومًا، وكذلك اسم الغفور والعفو والتواب والحليم يقتضي من يغفر له ويتوب عليه ويعفو عنه ويحلم، ويستحيل تعطيل هذه الأسماء والصفات إذ هي أسماء حسنى وصفات كمال ونعوت جلال وأفعال حكمة، وإحسان وجود فلا بد من ظهور آثارها في العالم. وقد أشار إلى هذا أعلم الخلق بالله صلوات الله وسلامه عليه حيث يقول: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم) . وأنت إذا فرضت الحيوان بحملته معدومًا فلمن يرزق الرزاق سبحانه؟ وإذا فرضت المعصية والخطيئة منتفية من العالم فلمن يغفر وعمن يعفو؟ وعلى من يتوب ويحلم؟ وإذا فرضت الفاقات كلها قد سدت، والعبيد أغنياء معافون فأين السؤال والتضرع والابتهال والإجابة، وشهود الفضل والمنة والتخصيص بالإنعام والإكرام؟ فسبحان من تعرف إلى خلقه بجميع أنواع التعرفات ودلهم عليه بأنواع الدلالات وفتح لهم إليه جميع الطرقات، ثم نصب إليه الصراط المستقيم وعرفهم به ودلهم عليه {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال: ٢٤) . ومنها: السر الذي لا تقتحمه العبارة ولا تجسر عليه الإشارة لولا ينادى عليه منادى الإيمان على رؤوس الأشهاد، فشهد به قلوب خواص العباد فازدادت به معرفة لربها ومحبة له وطمأنينة وشوقًا إليه ولهجًا بذكره وشهودًا لبره ولطفه وكرمه وإحسانه ومطالعة لسر العبودية وإشرافًا على حقيقة الإلهية وهو ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح) هذا لفظ مسلم. وفي الحديث من قواعد العلم إن اللفظ الذي يجري على لسان العبد خطأ من فرح شديد أو غيظ شديد، ونحوه لا يؤاخذ به ولهذا لم يكن هذا كافرًا بقوله أنت عبدي وأنا ربك قال. والقصد إن هذا الفرح له شأن لا ينبغي للعبد إهماله والإعراض عنه، ولا يطلع عليه إلا من له معرفة خاصة بالله وأسمائه وصفاته وما يليق بعز جلاله، وقد كان الأولى بناطي الكلام فيه إلى ما هو اللائق بإفهام بنى الزمان وعلومهم ونهاية أقدامهم من المعرفة وضعف عقولهم عن احتماله غير أنا نعلم أن الله عز وجل سيسوق هذه البضاعة إلى تجارها ومن هو عارف بقدرها، وإن وقعت في الطريق بيد من ليس عارفًا بها فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، فاعلم أن الله سبحانه وتعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه بأن كرمه وفضله وشرفه وخلقه لنفسه، وخلق كل شيءٍ له وخصه من معرفته ومحبته وقربه وإكرامه بما لم يعطه غيره، وسخر له في سماواته وأرضه وما بينهما حتى ملائكته الذين هم أهل قرية استخدمهم وجعلهم حفظة له في

<<  <  ج: ص:  >  >>