للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣٥٥- (١٠) وَعَنْ أَنَسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ

ــ

٢٣٥٥- قوله: (لله) بلام التأكيد المفتوحة (أشد فرحًا) قيل: الفرح في مثل هذا كناية عن الرضاء وسرعة القبول وحسن الجزاء لتعذر ظاهره عليه تعالى (بتوبة عبده) أي أرضى بتوبة عبده المؤمن وأقبل لها (حين يتوب إليه من أحدكم) أي من فرح أحدكم وسروره ورضاه، قيل: الفرح المتعارف في نعوت بني آدم غير جائز على الله تعالى، لأنه اهتزاز طرب يجده الشخص في نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه أو يسد به خلته أو يدفع به عن نفسه ضرارًا أو نقصانًا، وإنما كان غير جائز عليه تعالى لأنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص ولا قصور. وإنما معناه الرضا. والسلف فهموا منه ومن أشباهه الترغيب في الأعمال والأخبار عن فضل الله، وأثبتوا هذه الصفات لله تعالى ولم يشتغلوا بتفسيرها مع اعتقادهم تنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين وأما من اشتغل بالتأويل فله طريقان. أحدهما: أن التشبيه مركب عقلي من غير نظر إلى مفردات التركيب، بل تؤخذ الزبدة والخلاصة من المجموع وهي غاية الرضا ونهايته. وإنما إبراز ذلك في صورة التشبيه تقرير المعنى الرضا في نفس السامع وتصويرًا لمعناه. وثانيهما: تمثيلي وهو أن يتوهم للمشبه الحالات التي للمشبه به وينتزع له منها ما يناسبه حالة حالة بحيث لم يختل منها شيء يعني إنه من باب التمثيل وهو أن يشبه الحال الحاصلة بتنجيز الرضا والإقبال على العبد التائب بحال من كان في المفازة على الصورة المذكورة في الحديث، ثم يترك المشبه ويذكر المشبه به. قال القرطبي: هذا مثل قصد به بيان سرعة قبول الله توبة عبده التائب وإنه يقبل عليه بمغفرته ويعامله معاملة من يفرح بعمله، ووجه هذا المثل إن المعاصي حصل بسبب معصيته في قبضة الشيطان وأسره، وقد أشرف على الهلاك فإذا لطف الله به ووفقه للتوبة خرج من شوم تلك المعصية وتخلص من أسر الشيطان ومن المهلكة التي أشرف عليها فأقبل الله عليه بمغفرته وبرحمته، وإلا فالفرح الذي هو من صفات المخلوقين محال على الله تعالى (كما تقدم بيانه) لكن هذا الفرح عند ثمرة وفائدة، وهو الإقبال على الشيء المفروح به وإحلاله المحل الأعلى، وهذا هو الذي يصح في حقه تعالى فعبر عن ثمرة الفرح بالفرح على طريقة العرب في تسمية الشيء باسم ما جاوره أو كان منه بسبب - انتهى. والحاصل إن إطلاق الفرح في حقه تعالى مجاز عن رضاه وقد يعبر عن الشيء بسبه أو عن ثمرته الحاصلة عنه، فإن من فرح بشيء جاد لفاعله بما سأل، وبذل له ما طلب فعبر عن عطاءه تعالى وواسع كرمه بالفرح. وقال الطيبي: المراد كمال الرضا لأن الفرح المتعارف لا يجوز عليه تعالى، والمتقدمون من أهل الحديث فهموا من أمثال ذلك ما يرغب في الأعمال الصالحة ويكشف عن فضل الله تعالى على عباده مع كونه منزهًا عن صفات المخلوقين ولم يفتشوا عن معاني هذه الألفاظ، وهذه الطريقة السليمة. وقلما يزيغ عنه قدم الراسخ. وقال التوربشتي: هذا القول وأمثاله إذا أضيف إلى الله سبحانه، وقد عرف أنه مما يتعارفه الناس في نعوت بني آدم على

<<  <  ج: ص:  >  >>