خفيفتين أي سحابها واحدها عنانة. وقيل: عنان السماء ما عن (بتشديد النون) لك منها أي ظهر لك منها إذا رفعت رأسك إلى السماء ونظرتها وما انتهى إليه البصر منها. وقال الطيبي: العنان السحاب وإضافتها إلى السماء تصوير لارتفاعه وأنه بلغ مبلغ السماء يعني لو تجسمت ذنوبك وملأت الأرض والفضاء بكثرتها وعظمتها حتى ارتفعت إلى السماء (ثم استغفرتني غفرت لك) هو نظير قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً}(النساء:١١٠)(لو لقيتني) كذا في جميع النسخ الحاضرة من المشكاة، والذي في الترمذي لو أتيتني وهكذا في المصابيح، والترغيب، والحصن، والجامع الصغير، والكنز، ومدارج السالكين، والظاهر إن ما وقع في نسخ المشكاة خطأ من الناسخ (بقراب الأرض) بضم القاف، ويكسر والضم أشهر. أي بما يقارب ملأها وقيل: أي يملأها وهو أشبه أي هو المراد هنا لأن الكلام في سياق المبالغة، ويؤيده ما وقع في آخر حديث أبي ذر عند أحمد وقراب الأرض ملأ الأرض (خطايا) تمييز أي: بتقدير تجسمها (ثم لقيتني) أي مت حال كونك (لا تشرك بي شيئًا) أي معتقدًا توحيدي مصدقًا برسولي محمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به وهو الإيمان. قال القاري: قوله لا تشرك بي شيئًا. الجملة حال من الفاعل أو المفعول على حكاية الحال الماضية لعدم الشرك وقت اللقي (لأتيتك بقرابها مغفرة) تمييز أيضًا وعبر به للمشاكلة وإلا فمغفرة الله أبلغ وأوسع لا يجوز الاغترار به وإكثار المعاصي، فالمراد الحث على الاستغفار والتوبة، وإن الله يقبل توبة التائب ويغفر له وإن كثرت ذنوبه قال الطيبي: ثم هذه للتراخي في الإخبار وإن عدم الشرك مطلوب أولى، ولذلك قال لقيتني وقيد به وإلا لكان يكفي أن يقال خطايا لا تشرك بي. قال القاري: فائدة القيد أن يكون موته على التوحيد - انتهى. قال ابن رجب في شرح الأربعين: قد تضمن حديث أنس هذا إن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة أحدها: الدعاء مع الرجاء. والثاني: الاستغفار ولو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة عنان السماء. والثالث: التوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة. قال الله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}(النساء: ١١٦) فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة قال بعضهم: الموحد لا يلقى في النار كما يلقى الكفار ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله محبة