الحدثان (فوق عرشه) مكنونًا عن سائر الخلق مرفوعًا عن حيز الإدراك. قال الحافظ: فلا تكون العندية مكانية بل هي إشارة إلى كما كونه مخفيًا عن الخلق مرفوعًا عن حيز إدراكهم، وفيه تنبيه نبيه على تعظيم الأمور وجلالة القدر. قال الخطابي: المراد بالكتاب أحد شيئين. أما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى:{كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}(المجادلة: ٢١) أي: قضى ذلك قال: ويكون معنى قوله فوق العرش أي عنده علم ذلك فهو لا ينساه ولا يبدله كقوله تعالى: {فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (طه: ٥٢) وأما اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر أصناف الخلق وبيان أمورهم وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم، ويكون معنى فهو عنده فوق العرش أي ذكره وعلمه، وكل ذلك جائز في التخريج. قيل: العندية المكانية المعروفة مستحيلة في حقه تعالى، فهي محمولة على ما يليق به أو مفوضة إليه قلت: هي خبر جاء به التوقيف فقلنا به ونفينا عنه التكييف إذ ليس كمثله شيء فالأولى بل المتعين إمراره على ظاهره كما جاء من غير تصرف فيه (إن رحمتي) بكسر الهمزة وتفتح. قال الحافظ: بفتح أن على أنها بدل من الكتاب وبكسرها على أنها ابتداء كلام يحكي مضمون الكتاب: قال القاري: ويؤيد الثاني رواية للشيخين إن رحمتي تغلب غضبي. (سبقت غضبي وفي رواية غلبت غضبي) الرواية الثانية للبخاري فقط أوردها في بدء الخلق، ولفظ مسلم تغلب، وكذا وقع عند البخاري في باب قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ (آل عمران: ٢٨) قال القاري: غلبت غضبي أي غلبت آثار رحمتي على آثار غضبي وهي مفسرة لما قبلها، والمراد بيان سعة الرحمة وكثرتها وشمولها الخلق حتى كأنها السابق والغالب كما يقال غلب على فلان الكرم إذا كان هو أكثر خصاله وإلا فرحمة الله وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادته الثواب والعقاب، وصفاته لا توصف بغلبة إحداهما على الأخرى. وإنما هو على سبيل المبالغة للمجاز. وقيل: السبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب، لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة. وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث، وبهذا التقرير يندفع استشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواطن كمن يدخل النار من الموحدين، ثم يخرج بالشفاعة وغيرها. وقال التوربشتي: في سبق الرحمة بيان إن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وإنها تنالهم من غير استحقاق، وإن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق، ألا ترى إن الرحمة تشمل الإنسان جنينًا ورضيعًا وفطيمًا وناشئًا من غير أن يصدر منه شيء من الطاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك. وقال الطيبي: أي: لما خلق الخلق حكم حكمًا جازمًا ووعد وعدًا لازمًا لا خلف فيه بأن رحمتي سبقت غضبي، فإن المبالغ في حكمه إذا أراد أحكامه عقد عليه سجلاً وحفظه ووجه المناسبة بين قضاء الخلق وسبق الرحمة إنهم مخلوقون للعبادة شكرًا للنعم الفائضة عليهم، ولا يقدر أحد على أداء حق الشكر، وبعضهم يقصرون فيه فسبقت رحمته في حق الشاكر بأن وفى جزاءه، وزاد عليه ما لا يدخل تحت الحصر وفي حق المقصر إذا تاب