٢٣٨٨- (٢) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله مائة رحمة،
ــ
ورجع بالمغفرة والتجاوز، ومعنى ((سبقت رحمتي)) تمثيل لكثرتها وغلبتها على الغضب بفرسي رهان تسابقتا فسبقت إحداهما على الأخرى - انتهى. وقال في اللمعات: وذلك لأن آثار رحمة الله وجوده وإنعامه عمت المخلوقات كلها وهي غير متناهية، بخلاف أثر الغضب فإنه ظاهر في بعض بني آدم بعض الوجوه كما قال تعالى:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا}(النحل: ١٨) وقال: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}(الأعراف: ١٥٦) وأيضًا تهاون العباد وتقصيرهم في أداء شكر نعمائه تعالى أكثر من أن يعد ويحصى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ}(النحل: ٦١) فمن رحمته أن يبقيهم ويرزقهم وينعمهم بالظاهر ولا يؤاخذهم بهذا في الدنيا، وظهور رحمته في الآخرة قد تكفل ببيانه الحديث الآتي فإذن لا شك في أن رحمته تعالى سابقة وغالبة على غضبه - انتهى. وظاهر الحديث إن الكتابة بعد الخلق، ووقع في رواية للبخاري في باب {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}(البروج: ٢١، ٢٢) بلفظ: إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق ففيه إن الكتابة قبل الخلق، فقيل: معنى قوله قضى الخلق أي: أراد الخلق. وقيل المراد من الثاني: تعلق الخلق وهو حادث فجاز أن يكون بعده. وأما الأول فالمراد منه نفس الحكم وهو أولى فبالضرورة يكون قبله (متفق عليه) رواه البخاري في أول بدء الخلق وفي التوحيد في أربعة مواضع سبق ذكر الموضع الأول والرابع والثاني في باب قوله وكان عرشه على الماء، والثالث في باب ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، ورواه مسلم في التوبة، وأخرجه أحمد مرارًا منها (ج٢: ص٢٤٢: ٢٥٨: ٢٦٠) ، وأخرجه النسائي في الكبرى، والترمذي في الدعوات، وابن ماجة في باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة.
٢٣٨٨ - قوله:(إن لله مائة رحمة إلخ) للحديث طرق وألفاظ، واللفظ المذكور ها هنا لمسلم رواه في التوبة من طريق عطاء عن أبي هريرة، وله أيضًا من رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه، وخبأ عنده مائة إلا واحدة، وللبخاري في الأدب، وكذا لمسلم في التوبة من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده. تسعة وتسعين جزأ، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وللبخاري في الرقاق من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمه. ولمسلم من حديث سليمان أن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماوات والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها والوحش