للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)) .

ــ

لأن ألفها مقصورة للتأنيث، أو هي تأنيث أدنى، وهي كافية في منع الصرف، وتنوينها في لغية شاذ، ولإجرائها مجرى الأسماء وخلعها عن الوصفية نكرت كرجعى، ولو بقيت على وصفيتها لعرفت كالحسنى (يصيبها) أي يحصلها (أو امرأة) قيل خصت بالذكر تنبيهاً على سبب الحديث وإن كانت العبرة بعموم اللفظ، وهو قصة مهاجر أم قيس المروية في المعجم الكبير للطبراني بإسناد رجاله ثقات، قال الحافظ بعد ذكره: لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك – انتهى. وقال ابن رجب في شرح الأربعين: قد اشتهر أن قصة مهاجر أم قيس هي كانت سبب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (من كانت هجرته إلى دنيا ... ) الخ، وذكر كثير من المتأخرين في كتبهم، ولم نر لذلك أصلا يصح – انتهى. قال الحافظ: لم نقف على تسمية مهاجر أم قيس، ونقل ابن دحية أن اسمها قيلة، وقال العلامة القنوجي في عون الباري: لم يسم هذا الرجل أحد ممن صنف في الصحابة فيما رأيته، والظاهر أن التنصيص على المرأة من باب التنصيص على الخاص بعد العام للاهتمام، والنكرة إذا كانت في سياق الشرط تعم، ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير؛ لأن الافتتان بها أشد، وإنما وقع الذم ههنا على مباح، ولا ذم فيه ولا مدح؛ لكون فاعله أبطن خلاف ما أظهر، إذ خروجه في الظاهر ليس لطلب الدنيا، وإنما خرج في صورة طلب فضيلة الهجرة. (فهجرته إلى ما هاجر إليه) أي منصرفة إلى الغرض الذي هاجر إليه، وفيه تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به، حيث لم يذكر بلفظه، وأيضاً أن الهجرة إلى الله ورسوله واحدة فلا تعدد فيها، فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط، والهجرة لأمور الدنيا لا تنحصر، فقد يهاجر الإنسان لطلب الدنيا مباحة تارة ومحرمة تارة، وإفراد ما يقصد الهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر، فلذلك قال: (فهجرته إلى ما هاجر إليه) يعني كائنا ما كان، واعلم أن النية في اللغة نوع من القصد والإرادة، وفي كلام العلماء تقع بمعنيين: أحدهما تمييز العبادات بعضها عن بعض كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً، وتمييز رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات كتمييز الغسل من لجنابة من غسل التبرد والتنظف ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم. والمعنى الثاني: بمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريك له أم لله وغيره، وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف المتقدمين، وهي التي يتكرر ذكرها في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - تارة بلفظ النية وتارة بلفظ الإرادة وتارة بلفظ مقارب لذلك، قيل: وحديث الباب دل على هذه النية بالقصد، وإن كان يدخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - (وإنما لامرئ ما نوى) المعنى الأول أيضاً، وفي بعض المسائل المتفرعة على المعنى الأول اختلاف مشهور بين العلماء، كما أنهم اختلفوا في اشتراط النية للطهارة بعد اتفاقهم على اشتراطها في العبادات المقصودة لقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [٩٨: ٥] ، وهذا الخلاف يرجع إلى أن الطهارة هل هي عبادة مستقلة أم هي شرط من شروط الصلاة كإزالة النجاسة وستر العورة، فمن لم يشترط لها النية جعلها كسائر شروط الصلاة، ومن اشترط لها النية جعلها

<<  <  ج: ص:  >  >>