وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا
ــ
فعمله صالح فله أجره، وإن كانت فاسدة فعمله فاسد فعليه وزه، فالذي يرجع إليه من العمل نفعاً وضراً هي النية، فإن العمل بحسبها يحسب خيراً وشراً، ويجزى المرء بحسبها على العمل ثواباً وعقاباً، وإذا تقرر هاتان المقدمتان ترتب عليهما قوله:(فمن كانت هجرته إلى الله تعالى ورسوله - أي قصداً ونية – فهجرته إلى الله ورسوله) أجراً وثواباً ... إلى آخر الحديث، وعلى هذا فالنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي أي القصد، لا الشرعي هو توجه القلب نحو الفعل ابتغاء لوجه الله وامتثالاً لحكمه، وذلك ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه بقوله (فمن كانت هجرته ... ) الخ، فإنه تفصيل لما أجمل، فالحديث ورد لبيان الفرق بين النية الفاسدة والصحيحة الصالحة، فالأولى مذمومة ضارة، والثانية محمود نافعة، ولم يرد لبيان ما فيه النية وما ليس فيه فلم يتعرض لوجود النية وعدمها ولم يختص بعمل دون عمل ولا بحكم دون حكم كما يشعر به تفاريع الشافعية والحنفية، وقد بسط المعنى الذي ذكرناه العلامة السندهي في تعليقه على البخاري فارجع إليه، وقيل: التقدير في قوله (الأعمال بالنيات) صالحة أو فاسدة أو مقبولة أو مردودة أو مثاب عليها أو غير مثاب عليها بالنيات، فيكون خبراً من الحكم الشرعي، وهو أن صلاحها وفسادها بحسب صلاح النية وفسادها كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالخواتيم)) أي إن صلاحها وفسادها وقبولها وعدمها بحسب الخاتمة، وقوله بعد ذلك ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به، فإن نوى خيراً حصل له خير، إن نوى به شراً حصل له شر، وليس هذا تكريراً محضاً للجملة الأولى، فإن الجملة الأولى دلت على أن صلاح العمل وفساده بحسب النية المقتضية لإيجاده، والجملة الثانية دلت على أن ثواب العامل على عمله بحسب نيته الصالحة، وأن عقابه عليه بحسب نيته الفاسدة، وقد تكون نيته مباحة فيكون مباحاً، فلا يحصل له ثواب ولا عقاب، فالعمل في نفسه صلاحه وفساده بحسب النية الحاصلة عليه المقتضية لوجوده، وثواب العامل وعقابه وسلامته بحسب النية التي صار بها العمل صالحاً أو فاسداً أو مباحاً، (وإنما لامرئ ما نوى) وكذا لامرأة ما نوت؛ لأن النساء شقائق الرجال (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) الخ، هو تفصيل ما أجمله أولاً كما تقدمت الإشارة إليه، وقد ذكرنا هناك في تقدير الكلام ما يدل على التغاير بين الشرط والجزاء، وقيل: اتحد الشرط والجزاء لقصد المبالغة في التعظيم، ولإرادة التحقير في ما سيأتي فيكون التغاير معنى بدليل قرائن السياق بأن يراد المعهود المستقر في النفس كقولهم "أنت أنت" أي الصديق الخالص، وقولهم "هم هم" أي الذين لا يقدر قدرهم، وغير ذلك من الأمثلة، فالمهاجر إلى دار الإسلام حباً لله ورسوله ورغبة في تعلم دين الإسلام وإظهار دينه هو المهاجر إلى الله ورسوله، وكفاه شرفاً وفخراً أنه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله، ولهذا المعنى أقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه؛ لأن حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة. (ومن كانت هجرته إلى دنيا) فعلى من الدنو، لا تنون؛