أفعالاً جميلة على جهة التقرب إلى الله تعالى كصدقة وصلة رحم وإعتاق ونحوها ثم أسلم ومات على الإسلام إن ثواب ذلك يكتب له. ودليله حديث أبي سعيد الخدري عند النسائي والدارقطني وغيرهما، وحديث حكيم بن حزام في الصحيحين أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرأيت أمورًا كنت أتحنث بها في الجاهلية هل لي فيها من شيء؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسلمت على ما أسلفت من خير. قال الحافظ: وقد جزم بما جزم به النووي إبراهيم الحربي وابن بطال وغيرهما من القدماء والقرطبي وابن المنير من المتأخرين. وأما دعوى أنه مخالف للقواعد فغير مسلمة لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكافر في الدنيا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزم إعادتها إذا أسلم وتجزئه. قال ابن المنير: المخالف للقواعد دعوى أنه يكتب له ذلك في حال كفره، وأما أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرًا، فلا مانع منه، كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل، وكما يتفضل العاجز بثواب ما كان يعمل وهو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة، جاز أن يكتب له ثواب ما عمله غير موفي الشروط. وقال بن بطال بعد ذكره: حديث أبي سعيد ولله أن يتفضل على عباده بما شاء، ولا اعتراض لأحد عليه، واستدل غيره بقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سألته عائشة عن ابن جدعان وما كان يصنعه من الخير هل ينفعه؟ فقال: إنه لم يقل يومًا رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر. قلت: وأول من لم يقل بهذا حديث حكيم بن حزام من وجوه. منها إن معنى قوله: أسلمت على ما أسلفت من خير إنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعًا جميلة تنتفع بتلك الطباع في الإسلام بأن تكون تلك العادة معونة لك على فعل الطاعات، لما حصل لك من التدرب على فعلها، فلا تحتاج إلى مجاهدة جديدة، فتثاب بفضل الله عما تقدم بواسطة انتفاعك بذلك بعد إسلامك. ومنها إنك اكتسبت بذلك ثناء جميلاً فهو باق عليك في الإسلام ومنها أنه لا يبعد أن يزاد في حسناته التي يفعلها في الإسلام، ويكثر أجره لما تقدم له من الأفعال الحميدة. وقد جاء أن الكافر إذا كان يفعل خيرًا فإنه يخفف عنه به فلا يبعد أن يزاد به في أجوره. ومنها إنه ببركة ما سبق لك من فعل الخير هديت للإسلام لأن المبادي عنوان الغايات. ومنها إنك بتلك الأفعال رزقت الرزق الواسع. قال بن الجوزي: قيل إن النبي عر ورى عن جوابه فإنه سأل هل لي فيها من أجر فقال أسلمت على ما سلف من خير والعتق فعل الخير وكأنه أراد أنك فعلت الخير والخير يمدح فاعله ويجازي عليه في الدنيا، فقد روى مسلم من حديث أنس مرفوعًا إن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة، ولا يخفى عليك إن كل ما تأولوا به حديث حكيم بن حزام تكلف مخالف لظاهره فالقول الراجح المعول عليه هو ما ذهب إليه النووي ومن وافقه والله أعلم.