فمن هم بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة
ــ
بعده، فيكون من كلام الراوي، وإليه يشير صنيع البغوي والمصنف حيث تركه البغوي في المصابيح وتبعه المصنف في المشكاة، قيل وذكر اسم الإشارة باعتبار المذكور (فمن هم) قال الطيبي: الفاء للتفصيل لأن قوله كتب الحسنات مجمل لم يعرف منه كيفية الكتابة والهم ترجيح قصد الفعل، فقول هممت بكذا أي قصدته بهمتي وهو فوق مجرد خطور الشيء بالقلب، وقوله:((من هم)) كذا وقع في رواية من حديث أبي هريرة عند مسلم، وللبخاري في التوحيد إذا أراد. وأخرجها مسلم بلفظ إذا هم. فهما بمعنى واحد (بحسنة) أي من قصد بها وصمم على فعلها يعني عقد عزمه عليها فقد ورد ما يدل على أن مطلق الهم والإرادة لا يكفي، فعند أحمد (ج٤: ص٣٤٥) وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه من هم بحسنة، فعلم الله إنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها، وقد تمسك به ابن حبان فقال بعد إيراد حديث الباب في صحيحه: المراد بالهم هنا العزم، ثم قال ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل (فلم يعملها) بفتح الميم أي فلم يعمل الحسنة التي هم بها والمراد نفي عمل الجوارح (كتبها الله) أي قدرها وقضاها أو أمر الملائكة الحفظة بكتابتها بدليل حديث أبي هريرة عند البخاري في التوحيد بلفظ: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها. وأخرجه مسلم بنحوه. وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في قلب الآدمي إما بإطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علمًا يدرك به ذلك، ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني، قال ينادى الملك: اكتب لفلان كذا وكذا، فيقول يا رب إنه لم يعمله. فيقول: إنه نواه. وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة، وبالحسنة رائحة طيبة. وأخرج ذلك الطبري عن أبي معشر المدني وجاء مثله عن سفيان بن عيينة، ورأيت في شرح مغلطائي أنه ورد مرفوعًا قاله الحافظ (له) أي للذي هم بها (عنده) أي عند الله، وفيه إشارة إلى الشرف (حسنة) مفعول ثان باعتبار تضمين معنى التصيير أو حال موطئة، وذلك لأن العمل بالنية، ونية المؤمن خير من عمله فإنه يثاب على النية بدون العمل ولا يثاب على العمل بدون النية، لكن لا يضاعف ثواب الحسنة بالنية المجردة كذا في المرقاة. وقال الطوفي: إنما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة. لأن إرادة الخير سبب إلى العمل وإرادة الخير خير، لأن إرادة الخير من عمل القلب. واستشكل بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة فكيف لم يعتبر في حصول السيئة؟ وأجيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهم بها يكفرها لأنه قد نسخ قصده السيئة وخالف هواه (كاملة) أي لا نقص فيها وإن نشأت عن مجرد الهم. ففيه إشارة إلى رفع توهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد، وإشارة إلى دفع كونها ليست كحسنة الفعل لكن الفعل يزيد بالمضاعفة وأقلها عشر. قال النووي: أشار بقوله عنده إلى مزيد الاعتناء به وبقوله كاملة إلى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها، فالمراد بالكمال عظم القدر لا التضعيف إلى العشرة كما زعم بعضهم أن التعبير بكاملة يدل على أنها تضاعف إلى العشرة، لأن ذلك هو الكمال لأنه يلزم منه مساواة من نوي الخير بمن فعله