أمة محمد ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله فظالمهم يغفر له ومقتصدهم يحاسب حسابًا يسيرًا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب. وكذا روي عن غير واحد من السلف: إن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين على ما فيه عوج وتقصير. وقال آخرون: بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة ولا من المصطفين الوارثين للكتاب، والصحيح إن الظالم لنفسه من هذه الأمة. وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طريق يشد بعضها بعضًا فذكرها، منها حديث أسامة بن زيد الذي نحن في شرحه، ومنها حديث أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في هذه الآية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} قال: هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة أخرجه أحمد، والترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم. وفي أسانيد كلهم من لم يسم. قال ابن كثير: ومعنى قوله ((بمنزلة واحدة)) أي في أنهم من هذه الأمة وأنهم من أهل الجنة، وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة. ومنها حديث أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قال الله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} فأما الذين سبقوا فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حسابًا يسيرًا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحسبون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}(فاطر: ٣٤) إلى آخر الآية. أخرجه أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث. وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضًا، ويجب المصير إليها ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، وفي الباب آثار عن عمر، وعثمان، وعلي، وعائشة، وابن مسعود وغيرهم. ذكرها الحافظ ابن كثير والشوكاني في تفسيرهما وكلها تؤيد ما ذهب إليه الجمهور في تفسير الآية إن الطبقات الثلاث هم الذين اصطفى من عباده وهم أهل الإيمان من هذه الأمة وكلهم ناج يدخل الجنة. (رواه البيهقي في كتاب البعث والنشور) وأخرجه أيضًا الطبراني، وابن مردويه.