ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فأرحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. وفي رواية: ثم ليضطجع على شقه الأيمن
ــ
مفارقته. قال الطيبي: معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعد ما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام. وقال النووي: معناه أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون قد دخل فيه حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات وهو لا يشعر ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل في يده مكروه إن كان شيء هناك (ثم يقول) أي بعد النفض ووضع الجنب كما يدل عليه الرواية الآتية ((ثم ليضطجع ثم ليقل)) (باسمك ربي وضعت جنبي) أي مستعينًا باسمك يا ربي. وفي الأدب المفرد:((وليقل سبحانك ربي بك وضعت جنبي)) . ولمسلم:((وليقل سبحانك اللهم ربي بك وضعت جنبي)) (وبك أرفعه) أي باسمك أو بحولك وقوتك أرفعه حين أرفعه فلا أستغني عنك بحال (إن أمسكت نفسي) . وفي رواية:((احتبست نفسي)) أي قبضت روحي في النوم توفيتها (فارحمها) أي بالمغفرة والتجاوز عنها (وإن أرسلتها) بأن رددت الحياة إلى وأيقظتني من النوم (فاحفظها) أي من المعصية والمخالفة (بما تحفظ به) أي من التوفيق والعصمة والأمانة (عبادك الصالحين) أي القائمين بحقوق الله وعباده. والباء في ((بما تحفظ)) مثلها في ((كتبت بالقلم)) وما موصولة مبهمة، وبيانها ما دل عليه صلتها لأن الله تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي ومن أن لا يتهاونوا في طاعته وعبادته بتوفيقه ولطفه ورعايته، والحديث موافق لقوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}(٣٩: ٤٢) جمع النفسين في حكم التوفي ثم فرق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك وهو قبض الروح، وبالإرسال وهو رد الحياة، أي الله يتوفى الأنفس التي تقبض والتي لا تقبض فيمسك الأولى ويرسل الأخرى. وزاد في رواية الترمذي في آخر هذا الحديث شيئًا لم أره عند غيره وهو قوله:((وإذا استيقظ فليقل الحمد الله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي (أي روحي المميزة برد تميزها الزائل عنها بنومها) وأذن لي بذكره)) وهو يشير إلى ما ذكره الكرماني أن الإمساك كناية عن الموت فالرحمة أو المغفرة تناسبه والإرسال كناية عن استمرار البقاء والحفظ يناسبه. وقد تقدم قول الزجاج في الكلام على حديث حذيفة وكذلك كلام الطيبي. قال ابن بطال: في هذا الحديث أدب عظيم وقد ذكر حكمته في الخبر وهو خشية أن يأوي إلى فراشه بعض الهوام الضارة فتؤذيه. وقال القرطبي يؤخذ من هذا الحديث أنه ينبغي لمن أراد المنام أن يمسح فراشه لاحتمال أن يكون فيه شيء يخفى من رطوبة أو غيرها. وقال ابن العربي: هذا من الحذر ومن النظر في أسباب دفع سوء القدر، أو هو من الحديث الآخر ((اعقلها وتوكل)) . قلت: الظاهر هو الأول ففيه حث على الحزم والاحتراس من مظان الضر والأذى وقد ورد فيما يقال عند النوم أحاديث أخرى ذكر أكثرها في هذا الباب (وفي رواية) لمسلم وغيره: (ثم ليضطجع على شقه الأيمن) فيه ندب اليمين في النوم لأنه أسرع إلا الانتباه لعدم استقرار القلب حينئذ لأنه معلق بالجانب الأيسر فيعلق فلا يستغرق في النوم بخلاف النوم على الأيسر فإن القلب ليستقر