للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك.

ــ

تفعل بها ما تريد واستسلمت لما تفعل فلا اعتراض عليك فيه (ووجهت وجهي) أي: وجهتي وتوجهي وقصد قلبي (إليك) وقيل: الوجه هنا بمعنى الذات والشخص كالنفس، وفيه نظر لأن الجمع بينهما يدل على تغايرهما فالمراد بالنفس الذات وبالوجه القصد (وفوضت أمري إليك) من التفويض وهو تسليم الأمر إلى الله تعالى أي: رددت أمري إليك والمعنى توكلت عليك في أمري كله لتكفيني همه وتتولى صلاحه (وألجأت) أي: أسندت (ظهري إليك) أي: اعتمدت في أموري (ومنها القيام لصلاة التهجد ولصلاة الفجر) عليك لتعينني على ما ينفعني لأن من استند إلى شيء تقوَّى به واستعان به تشبيهًا للاستناد المعنوي بالاستناد الحسي بجامع الراحة في كل وخصه بالظهر لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه. وقال الطيبي: في هذا النظم عجائب وغرائب لا يعرفها إلا النقاد من أهل البيان فقوله: ((أسلمت نفسي)) إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه، وقوله: ((وجهت وجهي)) إلى أن ذاته وحقيقته مخلصة له تعالى بريئة من النفاق. وقوله: ((فوضت أمري إليك)) إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره. وقوله: ((ألجأت ظهري إليك)) بعد قوله: ((فوضت أمري)) إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة والخارجة (رغبة ورهبة) علة لكل من المذكورات أي: طمعًا في رفدك وثوابك وخوفًا من غضبك ومن عذابك. وقال الطيبي: منصوبان على العلة بطريق اللف والنشر أي: فوضت أموري إليك رغبة أي: طمعًا في ثوابك وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك رهبة منك أي: محافة من عذابك. وقيل: مفعول لهما لألجأت. وقال القاري: الأظهر أن نصبهما على الحالية أي: راغبًا وراهبًا أو الظرفية أي: في حال الطمع والخوف يتنازع فيهما الأفعال المتقدمة كلها. (إليك) متعلق برغبة ومتعلق الرهبة محذوف أي: منك، يدل عليه أنه وقع في الرواية الآتية عند أحمد (ج٤: ص٢٩٦) ، والنسائي ((رهبة منك ورغبة إليك)) ، وقيل: ((إليك)) متعلق برغبة ورهبة وإن تعدى الثاني بمن لكنه أجرى مجرى رغب تغليبًا يعني أعطى للرهبة حكم الرغبة، والعرب تفعل ذلك كثيرًا كقوله:

ورأيت بعلك في الوغى ... متقلدًا سيفًا ورمحًا

والرمح لا يتقلد. ونحوه:

علفتها تبنًا وماء باردًا

والماء لا يعلف. وقال الجزري في النهاية، وجامع الأصول: قد عطف الرهبة على الرغبة ثم أعمل لفظ الرغبة وحدها ولو أعمل الكلمتين معًا لقال: ((رغبة إليك ورهبة منك)) ولكن هذا سائغ في العربية أن يجمع بين الكلمتين في النظم ويحمل إحداهما على الأخرى في اللفظ، كقول الشاعر:

إذا ما الغانيات برزن يومًا ... وزججن الحواجب والعيونا

<<  <  ج: ص:  >  >>