لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ. آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قالهن ثم مات تحت لَيْلَتِه مات عَلَى الْفِطْرَةِ.
ــ
والعيون لا تزجج وإنما تكحل - انتهى بتوضيح. وكذلك قال البغوي، وابن الجوزي، والطيبي:(لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) أي: لا مهرب ولا ملاذ ولا مخلص من عقوبتك إلا إلى رحمتك. قال الحافظ: أصل ملجأ بالهمزة ومنجأ بغير همزة ولكن لما جمعا جاز أن يهمزا للازدواج وأن يترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويترك الآخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة. قال العيني: إعرابهما مثل إعراب ((عصا)) وفي هذا التركيب خمسة أوجه لأنه مثل لا حول ولا قوة إلا بالله أي: فتجري فيه الأوجه الخمسة المشهورة وهي فتح الأول والثاني، وفتح الأول ونصب الثاني، وفتح الأول ورفع الثاني، ورفع الأول وفتح الثاني، ورفع الأول والثاني. قال العيني: والفرق بين نصبه وفتحه بالتنوين وعدمه، وعند التنوين تسقط الألف، ثم إنهما إن كانا مصدرين يتنازعان في ((منك)) وإن كانا مكانين فلا، إذ اسم المكان لا يعمل، وتقديره: لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجأ إلا إليك (آمنت بكتابك) أي: صدقت أنه كتابك، وهو يحتمل أن يريد به القرآن ويحتمل أن يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب سماوي أنزل (الذي أنزلت) أي: أنزلته (ونبيك الذي أرسلت) وقع في رواية: ((أرسلته وأنزلته)) في الأول بزيادة الضمير المنصوب فيهما (من قالهن) أي: الكلمات المذكورة (ثم مات تحت ليلته) قال الطيبي: معنى ((تحت ليلته)) أنه لم يتجاوز عنه إلى النهار لأن الليل يسلخ منه النهار فهو تحته يعني أنه يقع ذلك قبل أن ينسلخ النهار من الليل وهو تحته، قال: أو يكون بمعنى مات تحت نازلة تنزل عليه في ليلته، وكذا معنى ((من)) في الرواية الأخرى أي: من أجل ما يحدث في ليلته، وقال ابن حجر: سبب التعبير بالتحت أن الله جعل الليل لباسًا فالناس مغمورون ومستورون تحته كالمستور تحت ثيابه ولباسه (مات على الفطرة) أي: على الدين القويم ملة إبراهيم عليه السلام فإن إبراهيم عليه السلام أسلم واستسلم، قال الله تعالى عنه:{جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(٣٧: ٨٤) وقال عنه: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(٢: ١٣١) وقال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا}(٣٧: ١٠٣) وقال ابن بطال وجماعة: المراد بالفطرة هنا دين الإسلام وهو بمعنى الحديث الآخر: ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)) . قال القرطبي في المفهم: كذا قال الشيوخ وفيه نظر لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرت من التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموت كمن يقول: لا إله إلا الله ممن لم يخطر له شيء من هذه الأمور فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة ويمكن أن يكون الجواب أن كلاً منهما وإن مات على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين ففطرة الأول فطرة المقربين وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين. قلت: وقع في حديث رافع بن خديج عند الترمذي وقد حسنه ((فإن مات من ليلته دخل الجنة)) . ووقع في رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عند أحمد بدل قوله:((مات على الفطرة)) ((بنى له بيت في الجنة)) قال الحافظ: وهذا يؤيد ما ذكره القرطبي، وقال الشيخ أكمل الدين الحنفي في شرحه لمشارق الأنوار فإن قلت: