قَالُوا: وَكَيْفَ لا نحْصِيهَا؟ قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمْ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلَّهُ لا يَفْعَلُ وَيَأْتِيهِ فِي مَضْجَعِهِ فَلا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ. رواه الترمذي وأبو داود
ــ
الأدب المفرد وفي الترمذي، ((ألفي وخمسائة سيئة)) وفي مسند الحميدي ((ألفي سيئة وخمسمائة سيئة)) قال القاري: الفاء جواب شرط محذوف وفي الاستفهام نوع إنكار يعني إذا حافظ على الخصلتين وحصل ألفان وخمسمائة حسنة في يوم وليلة فيعفي عنه بعدد كل حسنة سيئة كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}(١١: ١١٤) فأيكم يأتي بأكثر من هذا من السيئات في يومه وليلته حتى لا يصير معفوًا عنه فما لكم لا تأتون بهما ولا تحصونهما؟ انتهى. وقال السندي: في حاشية النسائي: قوله: ((فأيكم يعمل)) إلخ، أي لتساوي هذه الحسنات ولا يبقى منها شيء، أي بل السيئات في العادة أقل من هذا العدد فتغلب عليها هذه الحسنات الحاصلة بهذا الذكر المبارك، وقال في حاشية ابن ماجة: أي إنها تدفع هذا العدد من السيئات وإن لم تكن له سيئات بهذا العدد ترفع له بها درجات وقلما يعمل الإنسان في اليوم والليلة هذا القدر من السيئات فصاحب هذا الورد مع حصول مغفرة السيئات لابد أن يحرز بهذا الورد فضيلة هذه الدرجات (قالوا وكيف لا نحصيها) ، أي المذكورات، وفي رواية أحمد ((قالوا: كيف من يعمل بهما قليل)) ؟ والمعنى أنهم قالوا مستفهمين استفهام تعجب إذا كان هذا الثوب الجزيل لمن يعمل هذا العمل القليل فكيف يقل العاملون به؟ قال الطيبي: أي كيف لا نحصي المذكورات في الخلتين، وأي شيء يصرفنا فهو استبعاد لإهمالهم في الإحصاء فرد استبعادهم بأن الشيطان يوسوس له في الصلاة حتى يغفل عن الذكر عقيبها وينومه عند الاضطجاع كذلك. وهذا معنى قوله (قال) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (يأتي أحدكم) مفعول مقدم (فيقول) ، أي يوسوس له ويلقي في خاطره (اذكر كذا اذكر كذا) ، من الأشغال الدنيوية والأحوال النفسية الشهوية أو ما لا تعلق له بالصلاة ولو من الأمور الأخروية (حتى ينفتل) ، أي ينصرف عن الصلاة (فلعله) ، أي فعسى (أن لا يفعل) ، أي الإحصاء، قيل: الفاء في ((فلعله)) جزاء شرط محذوف يعني أن الشيطان إذا كان يفعل كذا فعسى الرجل أن لا يفعل، وإدخال إن في خبره دليل على أن لعل ههنا بمعنى عسى، وفيه إيماء إلى أنه إذا كان يغلبه الشيطان عن الحضور المطلوب المؤكد في صلاته، فكيف لا يغلبه ولا يمنعه عن الأذكار المعدودة من السنن في حال انصرافه عن طاعته، وفي راوية أحمد (ج٢: ص٢٠٦)((فيذكر حاجة كذا فيقوم ولا يقولها)) ، والمعنى أنه ينصرف عن الصلاة وهو مشغول بالحاجة التي ذكره بها الشيطان فلا يقول الذكر المطلوب إما نسيانًا أو عمدًا لاشتغاله بغيره، وهكذا يفعل معه عند النوم حتى ينام بدون ذكر (ويأتيه) ، أي الشيطان أحدكم (فلا يزال ينوّمه) بتشديد الواو، أي يلقي عليه النوم (حتى ينام) ، أي بدون الذكر، وفي رواية أحمد ((فينومه فلا يقولها)) وفي أخرى له أيضًا ولأبي داود ((فينومه قبل أن يقولها)) (رواه الترمذي) في الدعوات من طريق إسماعيل بن علية عن عطاء ابن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو (وأبو داود) في الأدب من