للعالم العلوي والسفلي والعرش الذي هو سقف، المخلوقات وأعظمها والربوبية التامة تستلزم توحيده، وإنه الذي لا تنبغي العبادة والحب والخوف والرجاء والإجلال والطاعة إلا له، وعظمته المطلقة تستلزم إثبات كل كمال له، وسلب كل نقص وتمثيل عنه، وحلمه يستلزم كمال رحمته وإحسانه إلى خلقه، فعلم القلب ومعرفته بذلك توجب محبته وإجلاله وتوحيده، فيحصل له من الابتهاج واللذة والسرور ما يدفع عنه ألم الكرب والهم والغم، وأنت تجد المريض إذا ورد عليه ما يسره ويفرحه ويقوي نفسه، كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسي، فحصول هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى، فإذا قابلت بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف، التي تضمنها دعاء الكرب المذكور في هذا الحديث، وجدته في غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق، وخروج القلب منه إلى سعة البهجة والسرور، وهذه الأمور إنما يصدق بها من أشرقت فيه أنوارها وباشر قلبه حقائقها - انتهى. قال النووي: هذا حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار عنه عند الكرب، والأمور العظيمة. قال الطبري: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب. قلت: حكى الحافظ عن ابن بطال أنه سعى بأبي بكر بن على عند السلطان بأصبهان، وكان عليه مدار الفتيا هناك فرأى أبو بكر الرازي في المنام، النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه قال له: قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب، الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه. قال الرازي: فأصبحت فأخبرته فدعا به، فلم يكن إلا قليلاً حتى أخرج. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ((الفرج بعد الشدة)) أنه كتب الوليد بن عبد الملك إلى عثمان بن حيان: انظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلده، وأوقفه للناس قال: فبعث إليه فجيء به فقام إليه علي الحسين فقال: يا ابن عم تكلم بكلام الفرج يفرج الله عنك، فقالها فرفع إليه عثمان رأسه فقال: أرى وجه رجل كذب عليه خلوا سبيله، فسأكتب إلى أمير المؤمنين بعذره فأطلق. وأخرج النسائي، والطبري، من طريق الحسن بن الحسن بن علي قال: لما زوج عبد الله بن جعفر ابنته قال: لها إن نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي: لا إله الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. قال الحسن: فأرسل إلى الحجاج فقلتهن، فقال: والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك: فلأنت اليوم أحب إليّ من كذا وكذا، وفي لفظ ((فسل حاجتك)) . قال الطبري: معنى قول ابن عباس (في بعض الروايات)((يدعو)) ، وإنما هو تهليل وتعظيم أي ليس فيه دعاء، يحتمل أمرين. أحدهما: أن المراد تقديم ذلك قبيل الدعاء، فيستفتح بهذا الذكر الدعاء ثم يدعو بما شاء، كما ورد في مسند أبي عوانة، في آخر الحديث ثم يدعو بعد ذلك. وعند عبد بن حميد: كان إذا حز به أمر قال: فذكر الذكر المأثور وزاد، ((ثم دعا)) وفي الأدب المفرد (ج٢: ص١٦١) من طريق آخر زاد في آخره ((اللهم اصرف عنى شره)) ، قال الطبري: ويؤيد هذا ما روى الأعمش عن إبراهيم قال: كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء، ثانيهما: ما أجاب به ابن عيينة عن الحديث الذي فيه ((كان أكثر ما يدعو به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) ، الحديث. فقال سفيان: هو ذكر وليس فيه دعاء ولكن قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. قال: وقال أمية بن الصلت في مدح عبد الله بن جدعان: